البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا} (54)

{ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } أم أيضاً منقطعة فتقدّر ببل .

والهمزة فبل : للانتقال من كلام إلى كلام ، والهمزة للاستفهام الذي يصحبه الانكار .

أنكر عليهم أولاً البخل ، ثم ثانياً الحسد .

فالبخل منع وصول خير من الإنسان إلى غيره ، والحسد تمنّي زوال ما أعطى الله الانسان من الخير وايتاؤه له .

نعى الله تعالى عليهم تحليهم بهاتين الخصلتين الذميمتين ، ولمّا كان الحسد شر الخصلتين ترقى إلى ذكره بعد ذكر البخل .

والناس هنا النبي صلى الله عليه وسلم ، والفضل النبوة ، قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، والضحاك ، ومقاتل .

وقال ابن عباس ، والسدي أيضاً : والفضل ما أبيح له من النساء .

وسبب نزول الآية عندهم أنّ اليهود قالت لكفار العرب : انظروا إلى هذا الذي يقول أنه بعث بالتواضع ، وأنه لا يملأ بطنه طعاماً ، ليس همه إلا في النساء ونحو هذا ، فنزلت .

والمعنى : لم تخصونه بالحسد ، ولا تحسدون آل إبراهيم يعني : سليمان وداود في أنهما أعطيا النبوة والكتاب ، وأعطيا مع ذلك ملكاً عظيماً في أمر النساء ، وهو ما روي أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة وثلاثمائة سرية ، ولداود مائة امرأة .

فالملك في هذه القول إباحة النساء ، كأنه المقصود أولاً بالذكر .

وقال قتادة : الناس هنا العرب حسدتها بنو إسرائيل ان كان الرسول منها ، والفضل هنا الرسول .

والمعنى : لم يحسدون العرب على هذا النبي وقد أوتي أسلافهم أنبياء .

وكتبا كالتوراة والزبور ، وحكمة وهي الفهم في الدين ما لم ينص عليه الكتاب ؟ وروى عن ابن عباس أنه قال : نحن الناس يريد قريشاً .

{ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً } أي ملك سليمان قاله : ابن عباس .

وقال مجاهد : هو النبوّة .

وقال همام بن الحرث وأبو مسلمة وابن زيد هو التأييد بالملائكة .

وقيل : الناس هنا الرسول ، وأبو بكر ، وعمر .

والكتاب : التوراة والإنجيل أو هما ، والزبور أقوال ، والحكمة النبوّة قاله : السدي ومقاتل .

أو الفقه في الدين قاله أبو سليمان الدمشقي .

وقيل : الملك العظيم هو الجمع بين سياسة الدنيا وشرع الدين ذكره الماوردي .

وقال الزمخشري : أم يحسدونهم على ما آتاهم الله من فضله النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم ، فقد آتينا الزام لهم بما عرفوه من ايتاء الله الكتاب والحكمة آل إبراهيم الذين أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما أوتي أسلافه .

وعن ابن عباس : الملك في آل إبراهيم ملك يوسف ، وداود ، وسليمان ، انتهى كلامه .

وهو كلام حسن .

/خ57