وهذا شامل لظهور الفلك ولظهور الأنعام ، أي : لتستقروا عليها ، { ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } بالاعتراف بالنعمة لمن سخرها ، والثناء عليه تعالى بذلك ، ولهذا قال : { وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أي : لولا تسخيره لنا ما سخر من الفلك ، والأنعام ، ما كنا مطيقين لذلك وقادرين عليه ، ولكن من لطفه وكرمه تعالى ، سخرها وذللها ويسر أسبابها .
يذكر الناس بهذه الإشارة بنعمة الله عليهم في اصطفائهم بخلافة هذه الأرض ، وبما سخر لهم فيها من قوى وطاقات . ثم يوجههم إلى الأدب الواجب في شكر هذه النعمة وشكر هذا الاصطفاء ؛ وتذكر المنعم كلما عرضت النعمة ، لتبقى القلوب موصولة بالله عند كل حركة في الحياة :
( لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) . . فما نحن بقادرين على مقابلة نعمته بنعمة مثلها ، وما نملك إلا الشكر نقابل به هذا الإنعام .
أي : لتستووا{[25995]} متمكنين مرتفقين { عَلَى ظُهُورِهِ } أي : على ظهور هذا الجنس ، { ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ } أي : فيما سخر لكم { إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أي : مقاومين . ولولا تسخير{[25996]} الله لنا هذا ما قدرنا عليه .
قال ابن عباس{[25997]} ، وقتادة ، والسدي وابن زيد : { مقرنين } أي : مطيقين . {[25998]}
ولذلك قال :{ لتستووا على ظهوره } أي ظهور ما تركبون وجمعه للمعنى . { ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه } تذكروها بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها . { وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } مطيقين من أقرن الشيء إذا أطاقه ، وأصله وجد قرينته إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف . وقرئ بالتشديد والمعنى واحد . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال : بسم الله ، فإذا استوى على الدابة قال : الحمد لله على كل حال { سبحان الذي سخر لنا هذا } إلى قوله : { وإنا إلى ربنا لمنقلبون } أي راجعون ، واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى ، أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله تعالى .
واللام في قوله : { لتستووا } لام الأمر ، ويحتمل أن تكون لام كي ، و { ما } في قوله : { ما تركبون } واقعة على النوع المركوب ، والضمير في : { ظهوره } عائد على النوع الذي وقعت عليه { ما } .
وقد بينت آية ما يقال عند ركوب الفلك ، وهو : { باسم الله مجراها ومرساها ، إن ربي لغفور رحيم }{[10185]} وإنما هذه خاصة فيما يركب من الحيوان ، ويقال عند النزول منها : اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين . والسنة للراكب إذا ركب أن يقول : الحمد لله على نعمة الإسلام ، أو على النعمة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو على النعمة في كل حال ، وقد روي هذا اللفظ عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { سبحان الذي }{[10186]} الآية ، وركب أبو مجلز لاحق بن حميد وقال : «سبحان الله » الآية ، ولم يذكر نعمة ، وسمعه الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال : ما هكذا أمرتم ، قال أبو مجلز ، فقلت له : كيف أقول ؟ قال : قل الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، أو نحو هذا ، ثم تقول بعد ذلك : { سبحان الذي } الآية ، وكان طاوس إذا ركب قال : اللهم هذا من منك وفضلك ، ثم يقول : { سبحان الذي } الآية ، وإن قدرنا أن ذكر النعمة هو بالقلب والتذكير بدأ الراكب : ب { سبحان الذي سخر } ، وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه .
والمقرن : الغالب الضابط المستولي على الأمر المطيق له . وروي أن بعض الأعراب ركب جملاً فقيل له قل : { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } فقال : أما والله إني لمقرن تياه ، فضرب به الجمل فوقصه فقتله .