السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

وذكر الضمير وجمع الظهور في قوله تعالى : { لتستووا على ظهوره } نظراً للفظ ما ومعناها : ولما أتم النعمة بخلق ما تدعو إليه الحاجة وجعله على وجه دال على ما له من الصفات ، ذكر ما ينبغي أن تكون من غايتها على ما هو المتعارف بينهم من شكر المنعم ، فقال دالاً على عظم قدر النعمة وبعد غايتها وعلو أمر الذكر بحرف التراخي { ثم تذكروا } أي : بقلوبكم وصرف القول إلى وجه التربية حثاً على تذكر إحسانه للانتهاء عن كفرانه والإقبال على شكرانه فقال تعالى : { نعمة ربكم } أي : الذي أحسن إليكم بنعمة تسخيرها لكم وما تعرفونه من غيرها { إذا استويتم عليه } أي : على ما تركبونه وذلك الذكر هو أن يعرف أن الله تعالى خلق البحر وخلق الرياح وخلق جرم السفينة على وجه يمكن الإنسان من تصريف هذه السفينة إلى أي : جانب شاء ، فإذا تذكر أن خلق البحر وخلق الرياح وخلق السفينة على هذه الوجوه القابلة لتصرف الإنسان ولتحريكاته إنما هو من تدبير الحكيم العليم القدير عرف أن ذلك نعمة من الله تعالى ، فيحمله ذلك على الإنقياد لطاعة الله تعالى وعلى الإشتغال بالشكر لنعم الله تعالى التي لا نهاية لها .

ولما كان تذكر النعمة يبعث الجنان واللسان والأركان على الشكر لمن أسداها قال عز من قائل : { وتقولوا } أي : بألسنتكم جمعاً بين القلب واللسان { سبحان الذي سخر } أي : بعلمه الكامل وقدرته التامة { لنا هذا } أي : الذي ركبناه سفينة كانت أو دابة { وما } أي : والحال أنا ما { كنا له مقرنين } أي : مطيقين والمقرن المطيق للشيء الضابط له من أقرنه أي : أطاقه قال الواحدي : كان اشتقاقه من قولك صرت له قرناً ومعنى قرن فلان أي : مثله في الشدة ، وقيل : ضابطين وقال أبو عبيدة : قرن لفلان أي : ضابط له والقرن الحبل ، ومعنى الآية : ليس عندنا من القوة والطاقة أن نقرن هذه الدابة والفلك وأن نطيقهما فسبحان من سخر لنا هذا بقدرته و حكمته .

روى الزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال : «بسم الله ، فإذا استوى على الدابة قال : الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون » . وروى أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح عن علي رضي الله عنه : أنه وضع رجله في الركاب وقال : «فقال بسم الله فلما استوى على الدابة ، قال : الحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذه الآية ، ثم حمد ثلاثاً وكبر ثلاثاً ثم قال : لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل : مم تضحك يا أمير المؤمنين ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلت فقلنا : ما يضحكك يا رسول الله قال : إن ربك يعجب من عبده إذا قال العبد لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ويقول : علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري » .

وروى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابة فلما استقر عليها كبر ثلاثاً وحمد الله تعالى ثلاثاً وسبح الله ثلاثاً وهلل الله تعالى واحدة وضحك ، ثم أقبل عليه فقال : ما من امرئ مسلم ركب دابة فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله عليه يضحك إليه كما ضحكت إليك » .