المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

119- يقول الله : هذا هو اليوم الذي ينفع فيه الصادقين صدقُهم ، لهم حدائق تجري تحت أشجارها الأنهار ، وهم مقيمون فيها لا يخرجون منها أبداً ، يتمتعون فيها برضوان الله عنهم ورضاهم بثوابه ، وذلك النعيم هو الفوز العظيم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

قوله تعالى : { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } ، قرأ نافع { يوم } بنصب الميم ، يعني : تكون هذه الأشياء في يوم ، فحذف ( في ) فانتصب ، وقرأ الآخرون بالرفع على أنه خبر { هذا } أي : ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة ، ولو كذبوا ختم الله على أفواههم ، ونطقت به جوارحهم ، فافتضحوا ، وقيل : أراد بالصادقين النبيين ، وقال الكلبي : ينفع المؤمنين إيمانهم ، قال قتادة : متكلمان لا يخطئان يوم القيامة ، عيسى عليه السلام ، وهو ما قص الله عز وجل ، وعدو الله إبليس ، وهو قوله : { وقال الشيطان لما قضي الأمر } ، الآية . فصدق عدو الله يومئذ ، وكان قبل ذلك كاذباً فلم ينفعه صدقه ، وأما عيسى عليه السلام فكان صادقاً في الدنيا والآخرة ، فنفعه صدقه . وقال بعضهم : هذا يوم من أيام الدنيا ، لأن الدار الآخرة دار جزاء . لا دار عمل ، ثم بين ثوابهم فقال : { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

{ قَالَ اللَّهُ } مبينا لحال عباده يوم القيامة ، ومَن الفائز منهم ومَن الهالك ، ومَن الشقي ومَن السعيد ، { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } والصادقون هم الذين استقامت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهدْي القويم ، فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق ، إذا أحلهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ولهذا قال : { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } والكاذبون بضدهم ، سيجدون ضرر كذبهم وافترائهم ، وثمرة أعمالهم الفاسدة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

لنشهد ختام المشهد العجيب :

( قال الله : هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم . لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ) هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم . . إنه التعقيب المناسب على كذب الكاذبين ؛ الذين أطلقوا تلك الفرية الضخمة على ذلك النبي الكريم . في أعظم القضايا كافة . . قضية الألوهية والعبودية ، التي يقوم على أساس الحق فيها هذا الوجود كله وما فيه ومن فيه . .

. . هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم . . إنها كلمة رب العالمين ، في ختام الاستجواب الهائل على مشهد من العالمين . . وهي الكلمة الأخيرة في المشهد . وهي الكلمة الحاسمة في القضية . ومعها ذلك الجزاء الذي يليق بالصدق والصادقين :

( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) . . ( خالدين فيها أبدًا ) . . ( رضي الله عنهم ) . . ( ورضوا عنه ) . .

درجات بعد درجات . . الجنات والخلود ورضا الله ورضاهم بما لقوا من ربهم من التكريم : ( ذلك الفوز العظيم ) . .

ولقد شهدنا المشهد - من خلال العرض القرآني له بطريقة القرآن الفريدة - وسمعنا الكلمة الأخيرة . . شهدنا وسمعنا لأن طريقة التصوير القرآنية لم تدعه وعدا يوعد ، ولا مستقبلا ينتظر ؛ ولم تدعه عبارات تسمعها الآذان أو تقرؤها العيون . إنما حركت به المشاعر ، وجسمته واقعا اللحظة تسمعه الآذان وتراه العيون . .

على أنه إن كان بالقياس إلينا - نحن البشر المحجوبين - مستقبلا ننتظره يوم الدين ، فهو بالقياس إلى علم الله المطلق ، واقع حاضر . فالزمن وحجابه إنما هما من تصوراتنا نحن البشر الفانين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

يقول تعالى مجيبًا لعبده ورسوله عيسى ابن مريم{[10543]} فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين ، الكاذبين على الله وعلى رسوله ، ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه ، عز وجل ، فعند ذلك يقول تعالى : { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }

قال الضحاك ، عن ابن عباس يقول : يوم ينفع الموحدين توحيدهم .

{ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } أي : ماكثين فيها لا يَحُولون ولا يزولون ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، كما قال تعالى : { وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] .

وسيأتي ما يتعلق بتلك الآية من الحديث .

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا فقال : حدثنا أبو سعيد الأشَجُّ ، حدثنا المحاربي ، عن لَيْث ، عن عثمان - يعني ابن عُمَيْر أبو اليقظان - عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم يتجلى لهم الرب

تعالى فيقول : سلوني سلوني أعطكم " . قال : " فيسألونه{[10544]} الرضا ، فيقول : رضاي أحلكم داري ، وأنالكم كرامتي ، فسلوني أعطكم . فيسألونه الرضا " ، قال : " فيشهدهم أنه قد رضي عنهم " . {[10545]}

وقوله : { ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } أي : هذا هو الفوز الكبير الذي لا أعظم منه ، كما قال تعالى : { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ } [ الصافات : 61 ] ، وكما قال : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } [ المطففين : 26 ] .


[10543]:في د: "لعيسى".
[10544]:في د: "فيسألون".
[10545]:ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (2/150): حدثنا عبد الرحمن المحاربي، فذكره من حديث طويل، وعثمان بن عمير أبو اليقظان الكوفي قال الذهبي: ضعفوه - أي الأئمة - فقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو أحمد الزبيدي: كان يؤمن بالرجعة، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد والدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: "رديء المذهب، يؤمن بالرجعة، على أن الثقات قد رووا عنه مع ضعفه". ميزان الاعتدال (3/50).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ اللّهُ هََذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : " هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ " فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة : «هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ » بنصب «يوم » . وقرأ بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة وعامّة قرّاء أهل العراق : هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ برفع يوم . فمن رفعه رفعه بهذا ، وجعل «يوم » اسما ، وإن كانت إضافته غير محضة ، لأنه صار كالمنعوت . وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل اليوم والليلة عملهم فيما بعدها ، إن كان ما بعدها رفعا رفعوها ، كقولهم : هذا يومُ يركب الأمير ، وليلةُ يصدر الحاج ، ويومُ أخوك منطلق وإن كان ما بعدها نصبا نصبوها ، وكذلك كقولهم : هذا يومَ خرج الجيش وسار الناس ، وليلةَ قتل زيد ونحو ذلك ، وإن كان معناها في الحالين : «إذ » ، و«إذا » . وكأنّ من قرأ هذا هكذا رفعا وجه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة ، وكذلك كان السديّ يقول في ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " قالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ " هذا فصل من كلام عيسى ، وهذا يوم القيامة .

يعني السدي بقوله : «هذا فصل من كلام عيسى » أن قوله : " سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَق . . . إلى قوله : فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " من خبر الله عزّ وجلّ عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه ، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة . وأما النصب في ذلك ، فإنه يتوجه من وجهين : أحدهما : أن إضافة «يوم » ما لم تكن إلى اسم تجعله نصبا ، لأن الإضافة غير محضة ، وإنما تكون الإضافة محضة إذا أضيف إلى اسم صحيح . ونظير اليوم في ذلك الحين والزمان وما أشبههما من الأزمنة ، كما قال النابغة :

على حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ على الصّبا ***وقَلْتُ أَلمّا أصْحُ والشّيْبُ وَازِعُ

والوجه الآخر : أن يكون مرادا بالكلام هذا الأمر وهذا الشأن ، «يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ » فيكون اليوم حينئذ منصوبا على الوقت والصفة ، بمعنى : هذا الأمر في يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب : «هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ » بنصب اليوم على أنه منصوب على الوقت والصفة ، لأن معنى الكلام : أن الله تعالى أجاب عيسى حين قال : " سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ . . . . إلى قوله : فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " فقال له عزّ وجلّ : هذا القول النافع أو هذا الصدق النافع يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فاليوم وقت القول والصدق النافع .

فإن قال قائل : فما موضع «هذا » ؟ قيل رفع فإن قال : فأين رافعه ؟ قيل مضمر ، وكأنه قال : قال الله عزّ وجلّ : هذا ، هذا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ، كما قال الشاعر :

أما تَرَى السّحابَ كَيْفَ يَجْرِي ***هَذَا وَلا خَيْلُكَ يا ابْنَ بِشْرِ

يريد : هذا هذا ، ولا خيلك .

فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا لما بينا : قال الله لعيسى : هذا القول النافع في يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ في الدنيا صِدْقُهُمْ ذلك في الآخرة عند الله . " لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ " يقول : للصادقين في الدنيا جناتٌ تجري من تحتها الأنهار في الآخرة ثوابا لهم من الله عزّ وجلّ ، على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه ، فوفوا به لله ، فوفى الله عزّ وجلّ لهم ما وعدهم من ثوابه . " خالِدِينَ فِيها أبَداً " يقول : باقين في الجنات التي أعطاهموها أبدا دائما لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول . وقد بينا فيما مضى أن معنى الخلود : الدوام والبقاء .

القول في تأويل قوله تعالى : " رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ " .

يقول تعالى ذكره : رضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه من العمل بطاعته واجتناب معاصيه ، " ورَضُوا عَنْهُ " يقول : ورضوا هم عن الله تعالى في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه ، فيما أمرهم ونهاهم من جزيل ثوابه . " ذلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ " يقول : هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها ، مرضيّا عنهم ، وراضين عن ربهم ، هو الظفر العظيم بالطّلِبة وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا ، ولها كانوا يعملون فيها ، فنالوا ما طلبوا وأدركوا ما أملوا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

هذه الآية— على من قال :«إن توقيف عيسى عليه السلام كان إثر رفعه » مستقيمة المعنى ، لأنه قال عنهم هذه المقالة وهم أحياء في الدنيا وهو لا يدري على ما يوافون . وهي— على قول من قال :«إالتوقيف هو يوم القيامة »—بمعنى :إن سبقت لهم كلمة العذاب كما سبقت فهم عبادك تصنع بحق الملك ما شئت لا اعتراض عليك ، { وإن تغفر لهم } بتوبة كما غفرت لغيرهم فإنك أنت العزيز في قدرتك ، الحكيم في أفعالك . لا تعارض على حال . فكأنه قال إن يكن لك في الناس معذبون فهم عبادك . وإن يكن مغفور لهم فعزتك وحكمتك تقتضي هذا كله .

وهذا هو عندي القول الأرجح{[4806]} . ويتقوى ما بعده .

وذلك أن عيسى عليه السلام لما قرر أن الله تعالى له أن يفعل في عباده ما يشاء من تعذيب ومغفرة أظهر الله لعباده ما كانت الأنبياء تخبرهم به ، كأنه يقول هذا أمر قد فرغ منه . وقد خلص للرحمة من خلص ، وللعذاب من خلص .

فقال تبارك وتعالى { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } فدخل تحت هذه العبارة كل مؤمن بالله تعالى وكل ما كان{[4806]} أتقى فهو أدخل في العبارة ، ثم جاءت هذه العبارة مشيرة إلى عيسى في حاله تلك وصدقه فيما قال . فحصل له بذلك في الموقف شرف عظيم وإن كان اللفظ يعمه وسواه ، وذكر تعالى ما أعد لهم برحمته وطوله إلى قوله { ذلك الفوز العظيم } .

وقرأ نافع وحده «هذا يومَ » بنصب يوم ، وقرأ الباقون «يومُ » بالرفع على خبر المبتدأ الذي هو { هذا } و { يوم } مضاف إلى { ينفع } ، والمبتدأ والخبر في موضع نصب بأنه مفعول القول . إذ القول يعمل في الجمل ، وأما قراءة نافع فتحتمل وجهين : أحدهما أن يكون «يوم » ظرفاً للقول كأن التقدير قال الله هذا القصص أو الخبر يوم .

قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي معنى يزيل رصف الآية وبهاء اللفظ ، والمعنى الثاني أن يكون ما بعد قال حكاية عما قبلها ومن قوله لعيسى إشارة إليه ، وخبر { هذا } محذوف إيجازاً ، كأن التقدير قال الله : هذا المقتص يقع أو يحدث يوم ينفع الصادقين .

قال القاضي أبو محمد : والخطاب على هذا لمحمد عليه السلام وأمته ، وهذا أشبه من الذي قبله ، والبارع المتوجه قراءة الجماعة ، قال أبو علي ، ولا يجوز أن تكون «يوم » في موضع رفع على قراءة نافع لأن هذا الفعل الذي أضيف إليه معرب ، وإنما يكتسي البناء من المضاف إليه إذا كان المضاف إليه مبنياً نحو من عذاب يومئذ{[2]} ، ولا يشبه قول الشاعر{[3]} :

على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألمّا أصحُ والشيب وازع ؟{[4]}

لأن الماضي الذي في البيت مبني والمضارع الذي في الآية معرب وقرأ الحسن بن العباس الشامي : «هذا يومٌ » بالرفع والتنوين .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[4806]:- روى الإمام أحمد عن جسرة العامرية عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: "إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا" اهـ. ورواه النسائي عن أبي ذر أيضا.