التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

{ قَالَ الله هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين . . . }

قال الآلوسي : { قَالَ الله } كلام مستأنف ختم به - سبحانه - حكاية ما حكى مما يقع يوم يجمع الله الرسل . وأشير إلى نتيجته ومآله . والمراد بقول الله - تعالى - عقيب جواب عيسى الإِشارة إلى صدقه ضمن بيان حال الصادقين الذين هو في زمرتهم .

والمراد باليوم في قوله { هذا يَوْمُ } يوم القيامة الذي تجازي فيه كل نفس بما كسبت وقد قرأ الجمهور برفع { يوم } من غير تنوين على أنه خبر لاسم الإِشارة أي : قال الله - تعالى - : إن هذا اليوم هو اليوم الذي ينتفع الصادقون فيه بصدقهم في إيمانهم وأعمالهم ، لأنه يوم الجزاء والعطاء على ما قدموا من خيرات في دنياهم .

أي أن صدقهم في الدنيا ينفعهم يوم القيامة ، بخلاف صدق الكفار يوم القيامة فإنه لا ينفعهم ، لأنهم لم يكونوا مؤمنين في دنياهم .

وقرأ نافع ( يوم ) بالنصب من غير تنوين على أنه ظرف لقال . أي : قال الله - تعالى - هذا القول لعيسى يوم ينفع الصادقين في هذا اليوم .

وقوله : { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } جملة مستأنفة لبيان مظاهر النفع الذي ظفر به الصادقون في هذا اليوم . أي : أن هؤلاء الصادقين في دنياهم قد نالوا في آخرتهم جنات تجري من تحت أشجارها وسررها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أي : مقيمين فيها إقامة دائمة لا يعتريها انقطاع وقوله : { رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } أي : رضي الله عنهم فأعطاهم بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح عطاء هو نهاية الآمال والأماني . ورضوا عنه بسبب هذا العطاء الجزيل الذي لا تحيط العبارة بوصفه .

واسم الإشارة في قوله : { ذلك الفوز العظيم } يعود إلى ما انتفع به الصادقون من جنات تجري من تحتها الأنهار . ومن رضا الله عنهم . أي : إلى النعيم الجثماني المتمثل في الجنات وما يتبعها من عيشة هنيئة ، وإلى النعيم الروحاني المتمثل في رضا الله عنهم .

قال الفخر الرازي : اعلم أنه - تعالى - لما أخبر أن صدق الصادقين في الدنيا ينفعهم في القيامة شرح كيفية ذلك النفع وهو الثواب . وحقيقة الثواب : أنها منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم ، فقوله : { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } إشارة إلى المنفعة الخالصة عن الغموم والهموم ، وقوله { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } إشارة إلى الدوام . واعتبر هذه الدقيقة : فإنه أينما ذكر الثواب قال { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } وأينما ذكر العقاب للفساق من أهل الإِيمان ، ذكر لفظ الخلود ولم يذكر معه التأييد ، وأما قوله : { رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } فتحته أسرار عجيبة لا تسمح الأقلام بمثلها جعلنا الله من أهلها .