{ قَالَ الله } كلامٌ مستأنَفٌ خَتَم به حكايةَ ما حُكيَ ، مما يقعُ يوم يجمع الله الرسلَ عليهم الصلاة والسلام ، وأُشير إلى نتيجته ومآله ، أي يقول الله تعالى يومئذ عَقيبَ جواب عيسى عليه السلام ، مشيراً إلى صدقه في ضمن بيان حال الصادقين الذين هو في زمرتهم ، وصيغةُ الماضي لما مرَّ في نظائره مراراً ، وقوله تعالى : { هذا } إشارة إلى ذلك اليوم ، وهو مبتدأ خبرُه ما بعده ، أي هذا اليوم الذي حُكيَ بعضُ ما يقع فيه إجمالاً وبعضُه تفصيلاً { يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين } بالرفع والإضافة ، والمراد بالصادقين كما ينبئ عنه الاسم ، المستمرّون في الدارين على الصدق في الأمور الدينية التي معظمُها التوحيدُ الذي نحن بصدده ، والشرائعُ والأحكام المتعلقة به من الرسل الناطقين بالحق والصدق الداعين إلى ذلك ، وبه تحصُل الشهادةُ بصِدْق عيسى عليه السلام ، ومن الأمم المصدِّقين لهم المقتدين بهم عقداً وعملاً ، وبه يتحقق المقصودُ بالحكاية من ترغيب السامعين في الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم لا كلِّ من صدَقَ في أي شيء كان ، ضرورةَ أن الجانِيَ المعترِفَ في الدنيا بجِنايته لا ينفعُه يومئذ اعترافُه وصِدْقُه { صِدْقُهُمْ } أي صدقهم فيما ذُكر من أمور الدين في الدنيا ، إذ هو المستتبِعُ للنفع يومئذ ، واعتبارُ استمراره في الدارين مع أنه لا حاجة إليه كما عرفت ، ولا دخل له في استتباع النفع والجزاء مما لا وجه له ، وهذه القراءةُ هي التي أطبق عليها الجمهورُ وهي الأليق بسياق النظم الكريم وسباقِه ، وقد قرئ ( يومَ ) بالنصب إما على أنه ظرف لقال ، فهذا حينئذ إشارةٌ إلى قوله تعالى : { أأنت قُلت } الخ ، وإما على أنه خبرٌ لهذا ، فهو حينئذ إشارة إلى جواب عيسى عليه السلام ، أي هذا الجواب منه عليه السلام واقعٌ يوم ينفع الخ ، أو إلى السؤال والجواب معاً ، وقيل : هو خبر ولكنه بني على الفتح ، وليس بصحيح عند البصريين لأنه مضافٌ إلى متمكنٍّ{[198]} ، وقرئ ( يومٌ ) بالرفع والتنوين كقوله تعالى : { واتقوا يَوْمًا لا تَجْزِي } [ البقرة ، الآيتان : 48 و123 ] الآية . { لَهُمْ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَا أَبَداً } استئناف مَسوقٌ لبيان النفع المذكور كأنه قيل : ما لهم من النفع ؟ فقيل : لهم نعيمٌ دائم وثوابٌ خالد ، وقوله تعالى : { رضِي الله عَنْهُمْ } استئنافٌ آخرُ لبيان أنه عز وجل أفاض عليهم غيرَ ما ذُكر من الجنات ما لا قدْرَ لها عنده ، وهو رضوانُه الذي لا غايةَ وراءَه كما ينبئ عنه قوله تعالى : { وَرَضُوا عَنْهُ } إذ لا شيء أعزُّ منه حتى يمتدَّ إليه أعناقُ الهمم { وذلك } إشارةٌ إلى نيل رضوانه تعالى ، وقيل : إلى نيل الكل { الفوز العظيم } لما أن عِظَمَ شأنِ الفوز تابعٌ لعِظَم شأن المطلوب الذي تعلّق به الفوز . وقد عرفت ألا مطلبَ وراء ذلك أصلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.