فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

قوله : { قَالَ الله هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ } أي صدقهم في الدنيا ، وقيل : في الآخرة ، والأوّل أولى . قرأ نافع وابن محيصن { يَوْم } بالنصب ، وقرأ الباقون بالرفع ، فوجه النصب أنه ظرف للقول : أي قال الله هذا القول يوم ينفع الصادقين ، ووجه الرفع أنه خبر للمبتدأ هو وما أضيف إليه . وقال الكسائي نصب { يَوْمَ } هاهنا لأنه مضاف إلى الجملة ، وأنشد :

على حين عاتبت المشيب على الصبا *** وقلت ألمَّا أصحُ والشيبُ وازِعُ

وبه قال الزجاج ، ولا يجيز البصريون ما قالاه إلا إذا أضيف الظرف إلى فعل ماض . وقرأ الأعمش : { هذا يَوْمٌ يَنفَعُ } بتنوين يوم كما في قوله : { واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } فكلاهما مقطوع عن الإضافة بالتنوين . وقد تقدّم تفسير قوله : { لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً } . قوله : { رضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } أي رضي عنهم بما عملوه من الطاعات الخالصة له ، ورضوا عنه بما جازاهم به مما لا يخطر لهم على بال ولا تتصوره عقولهم ، والرضا منه سبحانه هو أرفع درجات النعيم ، وأعلى منازل الكرامة ، والإشارة بذلك إلى نيل ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبداً ، ورضوان الله عليهم . والفوز : الظفر بالمطلوب على أتمّ الأحوال .

/خ120