قوله تعالى :{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئاً . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الاستقامة : أن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا ترغ روغان الثعلب . وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : أخلصوا العمل لله . وقال علي رضي الله عنه : أدوا الفرائض . وقال ابن عباس : استقاموا على أداء الفرائض . وقال الحسن : استقاموا على أمر الله تعالى ، فعملوا بطاعته ، واجتنبوا معصيته . وقال مجاهد و عكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله . وقال مقاتل : استقاموا على المعرفة ولم يرتدوا . وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة . قوله عز وجل : { تتنزل عليهم الملائكة } قال ابن عباس : عند الموت . وقال قتادة ومقاتل : إذا قاموا من قبورهم . قال وكيع بن الجراح : البشرى تكون في ثلاث مواطن : عند الموت وفي القبر وعند البعث . { أن لا تخافوا } من الموت . وقال مجاهد : لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة . { ولا تحزنوا } على ما خلفتم من أهل وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله . وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم . { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } .
{ 30 - 32 } { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ }
يخبر تعالى عن أوليائه ، وفي ضمن ذلك ، تنشيطهم ، والحث على الاقتداء بهم ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } أي : اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى ، واستسلموا لأمره ، ثم استقاموا على الصراط المستقيم ، علمًا وعملاً ، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
{ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ } الكرام ، أي : يتكرر نزولهم عليهم ، مبشرين لهم عند الاحتضار . { أَلَّا تَخَافُوا } على ما يستقبل من أمركم ، { وَلَا تَحْزَنُوا } على ما مضى ، فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل ، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فإنها قد وجبت لكم وثبتت ، وكان وعد الله مفعولاً .
هذه صلة . صلة الوسوسة والإغراء . وهناك صلة . صلة النصح والولاء . إنهم المؤمنون . الذين قالوا : ربنا الله ، ثم استقاموا على الطريق إليه بالإيمان والعمل الصالح . إن الله لا يقيض لهؤلاء قرناء سوء من الجن والإنس ؛ إنما يكلف بهم ملائكة يفيضون على قلوبهم الأمن والطمأنينة ، ويبشرونهم بالجنة ، ويتولونهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة :
( إن الذين قالوا : ربنا الله . ثم استقاموا . تتنزل عليهم الملائكة : ألا تخافوا ولا تحزنوا ، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلا من غفور رحيم ) .
والاستقامة على قولة : ( ربنا الله ) . الاستقامة عليها بحقها وحقيقتها . الاستقامة عليها شعوراً في الضمير ، وسلوكاً في الحياة . الاستقامة عليها والصبر على تكاليفها . أمر ولا شك كبير . وعسير . ومن ثم يستحق عند الله هذا الإنعام الكبير . صحبة الملائكة ، وولاءهم ، ومودتهم . هذه التي تبدو فيما حكاه الله عنهم . وهم يقولون لأوليائهم المؤمنين : لا تخافوا . لا تحزنوا . أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ وحده لا شريك له ، وبرئوا من الاَلهة والأنداد ، ثُمّ اسْتَقامُوا على توحيد الله ، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به ، وانتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله أهل التأويل على اختلاف منهم ، في معنى قوله : ثُمّ اسْتَقامُوا . ذكر الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا سالم بن قتيبة أبو قتيبة ، قال : حدثنا سهيل بن أبي حزم القطعي ، عن ثابت البنانيّ ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : «قد قالها الناس ، ثم كفر أكثرهم ، فمن مات عليها فهو ممن استقام » .
وقال بعضهم : معناه : ولم يشركوا به شيئا ، ولكن تموا على التوحيد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن سعيد بن عمران ، قال : قد قرأت عند أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه هذه الاَية : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : هم الذين لم يشركوا بالله شيئا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان بإسناده ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، مثله .
قال حدثنا جرير بن عبد الحميد ، وعبد الله بن إدريس ، عن الشيباني ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن الأسود بن هلال ، عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأصحابه إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : قالوا : ربنا الله ثم عملوا بها ، قال : لقد حملتموها على غير المحمل إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا الذين لم يعدلوها بشرك ولا غيره .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا الشيباني ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن الأسود بن هلال المحاربي ، قال : قال : أبو بكر : ما تقولون في هذه الاَية : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : فقالوا : ربنا الله ثم استقاموا من ذنب ، قال . فقال أبو بكر : لقد حملتم على غير المحمل ، قالوا : ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفوا إلى إله غيره .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : أي على : لا إله إلا الله .
قال : ثنا حكام عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : أسلموا ثم لم يشركوا به حتى لحقوا به .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال هم الذين قالوا ربنا الله لم يشركوا به حتى لقوه .
قال : ثنا حكام ، قال : حدثنا عمرو ، عن منصور ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال مثل ذلك .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : تموا على ذلك .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة قوله : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : ثم استقاموا على طاعته . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن منيع ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : حدثنا يونس بن يزيد عن الزهري ، قال : تلا عمر رضي الله عنه على المنبر : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : استقاموا والله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعلب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال استقاموا على طاعة الله . وكان الحسن إذا تلاها قال : اللهمّ فأنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا يقول : على أداء فرائضه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ ثُمّ اسْتَقامُوا قال : على عبادة الله وعلى طاعته .
وقوله : تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ يقول : تتهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت بهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا قال : عند الموت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ قال : عند الموت .
وقوله : أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا يقول : تتنزل عليهم الملائكة بأن لا تخافوا ولا تحزنوا فإن في موضع نصب إذا كان ذلك معناه .
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك «تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا » بمعنى : تتنزّل عليهم قائلة : لا تخافوا ، ولا تحزنوا . وعنى بقوله : لا تَخافُوا ما تقدمون عليه من بعد مماتكم وَلا تَحْزَنُوا على ما تخلفونه وراءكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا قال لا تخافوا ما أمامكم ، ولا تحزنوا على ما بعدكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا يحيى بن حسان ، عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا قال : لا تخافوا ما تقدمون عليه من أمر الاَخرة ، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله .
وقيل : إن ذلك في الاَخرة . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : تَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لاَ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وأبْشِرُوا بالجَنّةِ فذلك في الاَخرة .
وقوله : وأبْشِرُوا بالجَنّةِ التي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يقول : وسرّوا بأن لكم في الاَخرة الجنة التي كنتم توعدونها في الدنيا على إيمانكم بالله ، واستقامتكم على طاعته ، كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وأبْشِرُوا بالجَنّةِ التي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ في الدنيا .
{ إن الذين قالوا ربنا الله } اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته . { ثم استقاموا } في العمل و{ ثم } لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث إنه مبدأ الاستقامة ، أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار ، وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها . { تتنزل عليهم الملائكة } فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن ، أو الخروج من القبر . { ألا تخافوا } ما تقدمون عليه . { ولا تحزنوا } على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة بالباء أو مفسرة . { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } في الدنيا على لسان الرسل .
وقوله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } آية وعد للمؤمنين ، قال سفيان بن عبد الله الثقفي ، قلت للنبي عليه السلام : أخبرني بأمر أعتصم به ، فقال :
«قل ربي الله ثم استقم ، » قلت فما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال : هذا{[10071]} .
واختلف الناس في مقتضى قوله : { ثم استقاموا } فذهب الحسن وقتادة وجماعة إلى أن معناه : استقاموا بالطاعات واجتناب المعاصي ، وتلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال : استقاموا والله لله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعالب .
قال القاضي أبو محمد : ذهب رضي الله عنه إلى حمل الناس على الأتم الأفضل ، وإلا فلزم على هذا التأويل من دليل الخطاب ألا تنزل الملائكة عند الموت على غير مستقيم على الطاعة وذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة معه إلى أن المعنى { ثم استقاموا } على قولهم : { ربنا الله } ، فلم يختل توحيدهم ولا اضطرب إيمانهم . وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال : قد قالها الناس ثم كفر أكثرهم ، فمن مات عليها فهو ممن استقام{[10072]} . المعنى فهو في أول درجات الاستقامة من الخلود ، فهذا كقوله عليه السلام : «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة »{[10073]} وهذا هو المعتقد إن شاء الله ، وذلك أن العصاة من أمة محمد عليه السلام وغيرها فرقتان : فأما من قضى الله بالمغفرة له وترك تعذيبه ، فلا محالة ممن تنزل عليه الملائكة بالبشارة ، وهو إنما استقام على توحيده فقط ، وأما من قضى الله بتعذيبه مرة ثم بإدخاله الجنة ، فلا محالة أنه يلقى جميع ذلك عند موته ويعلمه ، وليس يصح أن يكون حاله كحالة الكافر اليائس من رحمة الله ، وإذ قد كان هذا فقد حصلت له بشارة بأن لا يخاف الخلود ولا يحزن منه وبأنه يصير آخراً إلى الخلود في الجنة ، وهل العصاة المؤمنون إلا تحت الوعد بالجنة ، فهم داخلون فيمن يقال لهم : { أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } ومع هذا كله فلا يختلف أن الموحد المستقيم على الطاعة أتم حالاً وأكمل بشارة ، وهو مقصد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعلى نحو ذلك قال سفيان : { استقاموا } ، عملوا بنحو ما قالوا ، وقال الربيع : أعرضوا عما سوى الله . وقال الفضيل : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية ، وبالجملة فكلما كان المرء أشد استعداداً كان أسرع فوزاً بفضل الله تعالى .
وقوله تعالى : { ألا تخافوا ولا تحزنوا } أمنة عامة في كل هم مستأنف ، وتسلية تامة عن كل فائت ماض . وقال مجاهد : المعنى لا تخافون ما تقدمون عليه ، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم . وفي قراءة ابن مسعود : «الملائكة لا تخافوا »{[10074]} بإسقاط الألف ، بمعنى يقولون لا تخافوا .