قوله تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها } . سمى آدم لأنه كان آدم اللون وكنيته أبو محمد وأبو البشر . فلما خلقه الله عز وجل علمه أسماء الأشياء ، وذلك أن الملائكة قالوا : لما قال الله تعالى : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وإن كان غيرنا أكرم عليه فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ، ورأينا ما لم يره . فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً كما ذهب إليه أهل السنة والجماعة ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة وقيل : اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة . وقال الربيع بن أنس : أسماء الملائكة وقيل : أسماء ذريته ، وقيل : صنعة كل شيء قال أهل التأويل : إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة .
قوله تعالى : { ثم عرضهم على الملائكة } . إنما قال عرضهم ولم يقل : عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل ومن لا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور وقال مقاتل : خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة فالكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال عرضهم .
قوله تعالى : { فقال أنبئوني } . أخبروني .
قوله تعالى : { بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } . أني لا أخلق خلقاً إلا وكنتم أفضل وأعلم منه ، فقالت الملائكة إقراراً بالعجز .
ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام ، فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض ، أراد الله تعالى ، أن يبين لهم من فضل آدم ، ما يعرفون به فضله ، وكمال حكمة الله وعلمه ف { عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } أي : أسماء الأشياء ، وما هو مسمى بها ، فعلمه الاسم والمسمى ، أي : الألفاظ والمعاني ، حتى المكبر من الأسماء كالقصعة ، والمصغر كالقصيعة .
{ ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أي : عرض المسميات { عَلَى الْمَلَائِكَةِ } امتحانا لهم ، هل يعرفونها أم لا ؟ .
{ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } في قولكم وظنكم ، أنكم أفضل من هذا الخليفة .
( وعلم آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم على الملائكة ، فقال : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . ) . .
ها نحن أولاء - بعين البصيرة في ومضات الاستشراف - نشهد ما شهده الملائكة في الملأ الأعلى . . ها نحن أولاء نشهد طرفا من ذلك السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري ، وهو يسلمه مقاليد الخلافة . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض . ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى ، لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات ، والمشقة في التفاهم والتعامل ، حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . . الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة ! الشأن شأن جبل . فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة ! وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .
فأما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية ، لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم الله آدم هذا السر ، وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . .
{ وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَآءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هََؤُلآءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : بعث ربّ العزّة ملك الموت ، فأخذ من أديم الأرض من عذبها ومالحها ، فخلق منه آدم . ومن ثم سُمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض .
وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن جده ، عن عليّ ، قال : إن آدم خلق من أديم الأرض فيه الطيب والصالح والرديء ، فكل ذلك أنت راء في ولده الصالح والرديء .
وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، قال : خلق آدم من أديم الأرض فسمي آدم .
وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير قال : إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض .
وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : إن ملك الموت لما بعث ليأخذ من الأرض تربة آدم ، أخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ، ولذلك سمي آدم ، لأنه أخذ من أديم الأرض .
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يحقق ما قال من حكينا قوله في معنى آدم ، وذلك ما :
حدثني به يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن عوف ، وحدثنا محمد بن بشار وعمر بن شبة ، قالا : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا عوف ، وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ومحمد بن جعفر وعبد الوهاب الثقفي قالوا : حدثنا عوف ، وحدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا عنبسة ، عن عوف الأعرابي ، عن قسامة بن زهير ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ على قَدْرِ الأرْضِ جاءَ مِنْهُمْ أَلاحْمَرُ وَالأسْوَدُ وَالأبْيَضُ وَبَيْنَ ذلكَ وَالسّهْلُ وَالحَزْنُ وَالخَبِيثُ وَالطّيّبُ » .
فعلى التأويل الذي تأول آدم من تأوله بمعنى أنه خلق من أديم الأرض ، يجب أن يكون أصل آدم فعلاً سمي به أبو البشر ، كما سمي أحمد بالفعل من الإحماد ، وأسعد من الإسعاد ، فلذلك لم يجرّ ، ويكون تأويله حينئذٍ : آدم الملك الأرضَ ، يعني به أبلغ أَدَمتها ، وأدمتها وجهها الظاهر لرأي العين ، كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة ، ومن ذلك سمي الإدام إداما ، لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه ، ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه .
القول في تأويل قوله تعالى : الأسْمَاءَ كُلّها .
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الأسماء التي علمها آدم ثم عرضها على الملائكة . فقال ابن عباس ما :
حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : علم الله آدم الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ودابة ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجبل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها .
وحدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَعَلّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال : علمه اسم كل شيء .
وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد : وَعَلّمَ آدمَ الأسْماءَ كُلّها قال : علمه اسم كل شيء .
وحدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم الحرمي ، عن محمد بن مصعب ، عن قيس بن الربيع ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : علمه اسم الغراب والحمامة ، واسم كل شيء .
وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : علمه اسم كل شيء ، حتى البعير والبقرة والشاة .
وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن شريك ، عن عاصم بن كليب ، عن سعيد بن معبد ، عن ابن عباس ، قال : علمه اسم القصعة والفسوة والفسية .
وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن عاصم بن كليب ، عن الحسن بن سعد ، عن ابن عباس : وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلّها قال : حتى الفسوة والفسية .
حدثنا عليّ بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا محمد بن مصعب ، عن قيس ، عن عاصم بن كليب ، عن سعيد بن معبد ، عن ابن عباس في قول الله : وَعَلّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال : علمه اسم كل شيء حتى الهنة والهنية والفسوة والضرطة .
وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عليّ بن مسهر ، عن عاصم بن كليب ، قال : قال ابن عباس : علمه القصعة من القصيعة ، والفسوة من الفسية .
وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : وَعَلّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها حتى بلغ : إنّكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ قال : يا آدم أنبئهم بأسمائهم فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه وألجأه إلى جنسه .
وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة في قوله : وَعَلّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال : علمه اسم كل شيء : هذا جبل ، وهذا بحر ، وهذا كذا وهذا كذا ، لكل شيء ، ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال : أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَولاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن جرير بن حازم ومبارك ، عن الحسن ، وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا : علمه اسم كل شيء : هذه الخيل ، وهذه البغال ، والإبل ، والجنّ ، والوحش وجعل يسمي كل شيء باسمه .
وحدثت عن عمار ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع ، قال : اسم كل شيء .
وقال آخرون : علم آدم الأسماء كلها ، أسماء الملائكة . ذكر من قال ذلك :
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : وَعَلمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلها قال : أسماء الملائكة .
وقال آخرون : إنما علمه أسماء ذريته كلها . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَعَلمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال : أسماء ذرّيته أجمعين .
وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دلّ على صحته ظاهر التلاوة قول من قال في قوله : وَعَلّمَ آدمَ الأسْماءَ كُلّها إنها أسماء ذرّيته وأسماء الملائكة ، دون أسماء سائر أجناس الخلق . وذلك أن الله جل ثناؤه قال : ثُمّ عَرَضَهُمْ على المَلائِكَةِ يعني بذلك أعيان المسمين بالأسماء التي علمها آدم ، ولا تكاد العرب تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة وأما إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق ، سوى من وصفنا ، فإنها تكني عنها بالهاء والألف ، أو بالهاء والنون ، فقالت : عرضهن ، أو عرضها . وكذلك تفعل إذا كنت عن أصناف من الخلق ، كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمم ، وفيها أسماء بني آدم والملائكة ، فإنها تكني عنها بما وصفنا من الهاء والنون ، أو الهاء والألف . وربما كنت عنها إذ كان كذلك بالهاء والميم ، كما قال جل ثناؤه : وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي على أرْبَعٍ فكني عنها بالهاء والميم ، وهي أصناف مختلفة فيها الاَدميّ وغيره . وذلك وإن كان جائزا فإن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وصفنا من إخراجهم كناية أسماء أجناس الأمم إذا اختلطت بالهاء والألف ، أو الهاء والنون . فلذلك قلت : أولى بتأويل الآية أن تكون الأسماء التي علمها آدم أسماء أعيان بني آدم وأسماء الملائكة . وإن كان ما قال ابن عباس جائزا على مثال ما جاء في كتاب الله من قوله : وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي على بَطْنِهِ الآية . وقد ذكر أنها في حرف ابن مسعود : «ثم عرضهن » ، وأنها في حرف أبيّ : «ثم عرضها » .
ولعلّ ابن عباس تأوّل ما تأوّل من قوله : علمه اسم كل شيء حتى الفسوة والفسية على قراءة أبيّ ، فإنه فيما بلغنا كان يقرأ قراءة أبيّ . وتأويل ابن عباس على ما حكي عن أبيّ من قراءته غير مستنكر ، بل هو صحيح مستفيض في كلام العرب على نحو ما تقدم وصفي ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ عَرَضَهُمْ على المَلائِكَةِ .
قال أبو جعفر : قد تقدم ذكرنا التأويل الذي هو أوْلى بالآية على قراءتنا ورسم مصحفنا ، وأن قوله : ثُمّ عَرَضَهُمْ بالدلالة على بني آدم والملائكة أولى منه بالدلالة على أجناس الخلق كلها ، وإن كان غير فاسد أن يكون دالاّ على جميع أصناف الأمم للعلل التي وصفنا .
ويعني جل ثناؤه بقوله : ثُمّ عَرَضَهُمْ ثم عرض أهل الأسماء على الملائكة .
وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله : ثُمّ عَرَضَهُمْ على المَلاَئِكَةِ نحو اختلافهم في قوله : وَعَلّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها وسأذكر قول من انتهى إلينا عنه فيه قول .
حدثنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس : ثُمّ عَرَضَهُمْ على المَلائِكَةِ ثم عرض هذه الأسماء يعني أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف جميع الخلق .
وحدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ثُمّ عَرَضَهُمْ ثم عرض الخلق على الملائكة .
وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : أسماء ذريته كلها أخذهم من ظهره . قال : ثم عرضهم على الملائكة .
وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة : ثُمّ عَرَضَهُمْ قال : علمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة .
وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ثُمّ عَرَضَهُمْ عرض أصحاب الأسماء على الملائكة .
وحدثنا عليّ بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا محمد بن مصعب ، عن قيس ، عن خصيف عن مجاهد ثُمّ عَرَضَهُمْ على المَلائِكَةِ يعني عرض الأسماء الحمامة والغراب .
وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن جرير بن حازم ، ومبارك عن الحسن ، وأبي بكر عن الحسن ، وقتادة قالا : علمه اسم كل شيء هذه الخيل وهذه البغال وما أشبه ذلك ، وجعل يسمي كل شيء باسمه ، وعرضت عليه أمة أمة .
القول في تأويل قوله تعالى : فقالَ أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَولاءِ .
قال أبو جعفر : وتأويل قوله : أنْبِئُونِي أخبروني ، كما :
حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : أنْبِئُونِي يقول : أخبروني بأسماء هؤلاء . ومنه قول نابغة بني ذبيان :
وأنْبأهُ المُنَبّىء أنّ حَيّا *** حُلُولٌ مِنْ حَرَامٍ أوْ جُذَامِ
يعني بقوله أنبأه : أخبره وأعلمه .
القول في تأويل قوله تعالى : بِأسْماءِ هَولاءِ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : بِأسْماءِ هَؤلاءِ قال : بأسماء هذه التي حدثت بها آدم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : أنْبئُونِي بأسماءِ هَؤلاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ يقول : بأسماء هؤلاء التي حدثت بها آدم .
القول في تأويل قوله تعالى : إنْ كُنْتُمِ صَادِقِينَ .
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في ذلك .
فحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إن كنتم تعلمون لِمَ أجعل في الأرض خليفة .
وحدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء .
وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن جرير بن حازم ، ومبارك عن الحسن وأبي بكر ، عن الحسن وقتادة قالا : أنْبِئُونِي بِأسْمَاءِ هَولاَءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أني لم أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه ، فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية تأويل ابن عباس ومن قال بقوله .
ومعنى ذلك فقال : أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيتها الملائكة القائلون : أتَجْعَل فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ من غيرنا ، أم منّا ؟ فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك إن كنتم صادقين في قيلكم أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته ، وأفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء ، وإن جعلتم فيها أطعتموني ، واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس . فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم ، وعلمه غيركم بتعليمي إياه ، فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بعد ، وبما هو مستتر من الأمور التي هي موجودة عن أعينكم أحرى أن تكونوا غير عالمين ، فلا تسألوني ما ليس لكم به علم ، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي .
وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بملائكته الذين قالوا له : أتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها من جهة عتابه جل ذكره إياهم ، نظير قوله جل جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه ، إذ قال : رَبّ إنّ ابْنِي مِنْ أهْلِي وَإِنّ وَعْدَكَ الحَقّ وَأنْتَ أحْكَمُ الحاكِمينَ : لا تَسْألْنِ ما لَيْسَ لَكَ بهِ عِلْمٌ إنّي أعظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ . فكذلك الملائكة سألت ربها أن تكون خلفاءه في الأرض يسبحوه ويقدسوه فيها ، إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعله في الأرض خليفة ، يفسدون فيها ، ويسفكون الدماء ، فقال لهم جل ذكره : إني أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ يعني بذلك أني أعلم أن بعضكم فاتح المعاصي وخاتمها وهو إبليس منكرا بذلك تعالى ذكره قولهم . ثم عرّفهم موضع هفوتهم في قيلهم ما قالوا من ذلك ، بتعريفهم قصور علمهم عما هم له شاهدون عيانا ، فكيف بما لم يروه ولم يخبروا عنه بعرضه ما عرض عليهم من خلقه الموجودين يومئذٍ ، وقيله لهم : أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَولاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أنكم إن استخلفتكم في أرضي سبحتموني وقدستموني ، وإن استخلفت فيها غيركم عصاني ذريته ، وأفسدوا وسفكوا الدماء . فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم ، وبدت لهم هفوة زلتهم أنابوا إلى الله بالتوبة فقالوا : سُبحانَكَ لا علمَ لنَا إِلاّ ما علمتنا فسارعوا الرجعة من الهفوة ، وبادروا الإنابة من الزلة ، كما قال نوح حين عوتب في مسألته ، فقيل له : لا تَسألْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ : رَبّ إنّي أعُوذُ بِكَ أنْ أسألَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وإلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أكُنْ مِنَ الخاسِرِينَ وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له ، سريعة إلى الحقّ إنابته ، قريبة إليه أوبته .
وقد زعم بعض نحويي أهل البصرة أن قوله : أنْبِئُونِي بِأسْمَاءِ هَولاَءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ لم يكن ذلك لأن الملائكة ادّعوا شيئا ، إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب وعلمه بذلك وفضله ، فقال : أنبئوني إن كنتم صادقين كما يقول الرجل للرجل : أنبئني بهذا إن كنت تعلم ، وهو يعلم أنه لا يعلم يريد أنه جاهل . وهذا قول إذا تدبره متدبر علم أن بعضه مفسد بعضا ، وذلك أن قائله زعم أن الله جل ثناؤه قال للملائكة إذ عرض عليهم أهل الأسماء : أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَؤلاءِ وهو يعلم أنهم لا يعلمون ، ولا هم ادّعوا علم شيء يوجب أن يوبخوا بهذا القول . وزعم أن قوله : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ نظير قول الرجل للرجل : أنبئني بهذا إن كنت تعلم ، وهو يعلم أنه لا يعلم يريد أنه جاهل . ولا شك أن معنى قوله : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إنما هو إن كنتم صادقين ، إما في قولكم ، وإما في فعلكم لأن الصدق في كلام العرب إنما هو صدق في الخبر لا في العلم وذلك أنه غير معقول في لغة من اللغات أن يقال صدق الرجل بمعنى علم . فإذا كان ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للملائكة على تأويل قول هذا الذي حكينا قوله في هذه الآية : أنْبِئُونِي بِأسْمَاءِ هَؤلاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وهو يعلم أنهم غير صادقين ، يريد بذلك أنهم كاذبون . وذلك هو عين ما أنكره ، لأنه زعم أن الملائكة لم تدع شيئا ، فكيف جاز أن يقال لهم : إن كنتم صادقين فأنبئوني بأسماء هؤلاء ؟ هذا مع خروج هذا القول الذي حكيناه عن صاحبه من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير .
وقد حكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأوّل قوله : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بمعنى : إذ كنتم صادقين . ولو كانت «إن » بمعنى «إذ » في هذا الموضع لوجب أن تكون قراءتها بفتح ألفها ، لأن «إذ » إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببا له ، وذلك كقول القائل : أقوم إذ قمت ، فمعناه : أقوم من أجل أنك قمت ، والأمر بمعنى الاستقبال . فمعنى الكلام : لو كانت إن بمعنى إذ أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون . فإذا وضعت «إن » مكان ذلك ، قيل : «أنبئوني بأسماء هؤلاء أنْ كنتم صادقين مفتوحة الألف ، وفي إجماع جميع قرّاء أهل الإسلام على كسر الألف من «إن » دليل واضح على خطأ تأويل من تأوّل «إنْ » بمعنى «إذ » في هذا الموضع .
{ وعلم آدم الأسماء كلها } إما بخلق علم ضروري بها فيه ، أو إلقاء في روعه ، ولا يفتقر إلى سابقة اصطلاح ليتسلسل والتعليم فعل يترتب عليه العلم غالبا ، ولذلك يقال علمته فلم يتعلم . و{ آدم } اسم أعجمي كآزر وشالخ ، واشتقاقه من الأدمة أو الأدمة بالفتح بمعنى الأسوة ، أو من أديم الأرض لما روي عنه عليه الصلاة والسلام " أنه تعالى قبض قبضة من جميع الأرض سهلها وحزنها فخلق منها آدم " فلذلك يأتي بنوه أخيافا ، أو من الأدم أو الأدمة بمعنى الألفة ، تعسف كاشتقاق إدريس من الدرس ، ويعقوب من العقب ، وإبليس من الإبلاس . والاسم باعتبار الاشتقاق ما يكون علامة للشيء ودليلا يرفعه إلى الذهن مع الألفاظ والصفات والأفعال ، واستعماله عرفا في اللفظ الموضوع لمعنى سواء كان مركبا أو مفردا مخبرا عنه أو خبرا أو رابطة بينهما . واصطلاحا : في المفرد الدال على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة . والمراد في الآية إما الأول أو الثاني وهو يستلزم الأول ، لأن العلم بألفاظ من حيث الدلالة متوقف على العلم بالمعاني ، والمعنى أنه تعالى خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباينة ، مستعدا لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات ، والمتخيلات والموهومات . وألهمه معرفة ذوات الأشياء وخواصها وأسمائها وأصول العلوم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها .
{ ثم عرضهم على الملائكة } الضمير فيه للمسميات المدلول عليها ضمنا إذ التقدير أسماء المسميات ، فحذف المضاف إليه لدلالة المضاف عليه وعوض عنه اللام كقوله تعالى : { واشتعل الرأس شيبا } لأن العرض للسؤال عن أسماء المعروضات فلا يكون المعروض نفس الأشياء سيما إن أريد به الألفاظ ، والمراد به ذوات الأشياء ، أو مدلولات الألفاظ ، وتذكيره ليغلب ما اشتمل عليه من العقلاء ، وقرئ عرضهن وعرضها على معنى عرض مسمياتهن أو مسمياتها .
{ فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء } تبكيت لهم وتنبيه على عجزهم عن أمر الخلافة ، فإن التصرف والتدبير إقامة المعدلة قبل تحقق المعرفة ، والوقوف على مراتب الاستعدادات وقدر الحقوق محال ، وليس بتكليف ليكون من باب التكليف بالمحال ، والإنباء : إخبار فيه إعلام ، ولذلك يجري مجرى كل واحد منهما .
{ إن كنتم صادقين } في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة لعصمتكم ، أو أن خلقهم واستخلافهم وهذه صفتهم لا يليق بالحكيم ، وإن لم يصرحوا به لكنه لازم مقالهم . والتصديق كما يتطرق إلى الكلام باعتبار منطوقه قد يتطرق إليه بفرض ما يلزم مدلوله من الأخبار ، وبهذا الاعتبار يعتري الإنشاءات .