فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (31)

{ آدم } أصله : أأدم بهمزتين ، إلا أنهم ليَّنُوا الثانية وإذا حركت قلبت واو ، كما قالوا في الجمع أوادم ، قاله الأخفش . واختلف في اشتقاقه ؛ فقيل : من أديم الأرض ، وهو وجهها . وقيل : من الأدمة وهي : السمرة . قال في الكشاف : وما آدم إلا اسم عجميّ ، وأقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر وعازر وعابر وشالخ وفالغ وأشباه ذلك . و { الأسماء } هي العبارات ، والمراد : أسماء المسميات ، قال : بذلك أكثر العلماء ، وهو المعنى الحقيقي للاسم . والتأكيد بقوله : { كُلَّهَا } يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج عن هذا شيء منها كائناً ما كان . وقال ابن جرير : إنها أسماء الملائكة وأسماء ذرية آدم ، ثم رجح هذا وهو غير راجح . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أسماء الذرية . وقال الربيع بن خيثم : أسماء الملائكة .

واختلف أهل العلم هل عرض على الملائكة المسميات أو الأسماء ؟ والظاهر الأوّل لأن عرض نفس الأسماء غير واضح . وعرض الشيء إظهاره ، ومنه عرض الشيء للبيع . وإنما ذكر ضمير المعروضين تغليباً للعقلاء على غيرهم . وقرأ ابن مسعود : «عَرضهنّ » وقرأ أبَي : «عرضها » وإنما رجع ضمير " عرضهم " إلى مسميات مع عدم تقدم ذكرها ، لأنه قد تقدّم ما يدل عليها وهو : أسماؤها . قال ابن عطية : والذي يظهر أن الله علَّم آدم الأسماء وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصاً ، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم ، فقال لهم آدم : هذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا . قال الماوردي : فكان الأصح توجه العرض إلى المسمين . ثم في زمن عرضهم قولان : أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم . الثاني أنه صوّرهم لقلوب الملائكة ، ثم عرضهم .

وأما أمره سبحانه للملائكة بقوله : { أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صادقين } فهذا منه تعالى لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك . والمراد { إِن كُنتُمْ صادقين } أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبؤني ، كذا قال المبرد ، . وقال أبو عبيد وابن جرير : إن بعض المفسرين قال : معنى { إِن كُنتُمْ صادقين } إذ كنتم ، قالا : وهذا خطأ . ومعنى { أنبئوني } أخبروني . فلما قال لهم ذلك اعترفوا بالعجز والقصور .

/خ33