غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (31)

31

التفسير : وفيه أبحاث :

الأول : الأشعري والجبائي والكعبي على أن اللغات كلها توقيفية بمعنى أن الله تعالى خلق علماً ضرورياً بتلك الألفاظ وتلك المعاني ، وبأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني بدليل قوله تعالى { وعلم آدم الأسماء كلها } { لا علم لنا إلا ما علمتنا } وهذا يدل على أن الملائكة وآدم لا يعلمون إلا بتعليم الله تعالى إياهم . وخالفهم أصحاب أبي هاشم الذاهبون إلى أن اللغات اصطلاحية وضعها البشر واحد أو جماعة . وحصل التعريف للباقين بالإشارة والقرائن كالأطفال فقالوا : المراد ألهمه وبعث داعيته على الوضع مثل { وعلمناه صنعة لبوس لكم } [ الأنبياء : 80 ] . أي ألهمناه ، أو المراد علمه ما سبق من اصطلاحات قوم كانوا قبل آدم . وأجيب بأن الأصل عدم العدول عن الظاهر : قالوا { ثم عرضهم } يدل على أن المراد بالأسماء المسميات ، فإن عرض الأسماء غير معقول . فإذن المراد أسماء المسميات فعوض الألف واللام عن المضاف إليه كما في قوله { واشتعل الرأس شيباً } [ مريم : 4 ] أي علمه أسماء كل ما خلق من أجناس المحدثات من جميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولده اليوم من العربية والفارسية والرومية وغيرها ، وكان ولد آدم يتكلمون بهذه اللغات ، فلما مات وتفرق ولده في نواحي العالم تكلم كل واحد بلغة واحدة معينة من تلك اللغات ، فلما طالت المدة ومضت القرون نسوا سائر اللغات . ثم لا يبعد بل ينبغي أن يكون الله تعالى قد علمه مع ذلك صفات الأشياء ونعوتها وخواصها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية ، لأن اشتقاق الاسم إما من السمة أو من السمو . فإن كان من السمة فالاسم هو العلامة وصفات الأشياء وخواصها دالة على ماهياتها وعلامة عليها ، وإن كان من السمو فدليل الشيء كالمرتفع على ذلك الشيء ، فإن العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول . وإنما قلنا ينبغي ذلك لأن الفضيلة في معرفة حقائق الأشياء أكثر من الفضيلة في معرفة أسمائها . ثم من الحقائق ما يتوقف إدراكها على آلة تدرك بها كالمبصرات والمسموعات وغيرها ، فإذا كان لآدم تلك الآلات وقد عرفها بها ، ولم يكن للملائكة ذلك لزم عجزهم . وأيضاً العربي لا يحسن منه أن يقول لغيره تكلم بلغتي ، لأن العقل لا طريق له إلى معرفة اللغات ، بل إن حصل التعليم حصل العلم بها وإلا فلا . أما العلم بحقائق الأشياء ، فالعقل يتمكن من تحصيله فصح وقوع التحدي به . وإنما قيل { ثم عرضهم } بلفظ الذكور ، لأن في جملة المسميات الملائكة والثقلين وهم العقلاء ، فغلب الكامل على الناقص ، والتذكير على التأنيث . ومن الناس من تمسك بقوله { أنبئوني بأسماء هؤلاء } على جواز تكليف ما لا يطاق وهو ضعيف ، لأنه إنما استنبأهم مع علمه بعجزهم تبكيتاً لهم بدليل قوله { إن كنتم صادقين } أي في أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منهم . وقيل : أي في قولكم إنه لا شيء مما يتعبد به الخلق إلا وأنتم تصلحون له وتقومون به وهو قول ابن عباس وابن مسعود . وقيل : أعلموني بأسماء هؤلاء إن علمتم أنكم تكونون صادقين في ذلك الإعلام . وقيل : أخبروني ولا تقولوا إلا حقاً وصدقاً ، فيكون الغرض منه التوكيد لما نبههم عليه من القصور لأنه متى تمكن في أنفسهم العلم بأنهم إن أخبروا لم يكونوا صادقين ولا لهم إليه سبيل ، لم يجترءوا على الجواب .