نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (31)

ولما أعلم سبحانه الملائكة أن الأمر على خلاف ما ظنوا شرع في إقامة الدليل عليه فقال عاطفاً على قوله : " قال " : { وعلم }{[1595]} أي لإقامة الدليل على ذلك ، والتعليم تكرار العلم ليثبت لما في جبلة المعلَّم من النسيان ، { آدم } من الأدم من الأديم وهو جلدة الأرض التي منها جسمه ، وحظ ما فيه من أديم الأرض هو اسمه الذي أنبأ عنه لفظ آدم ، { الأسماء } أي التي للأشياء { كلها } وهو جمع اسم وهو ما يجمع اشتقاقين من السمة والسمو ؛ فهو بالنظر إلى اللفظ وسم وبالنظر إلى الحظ من ذات الشيء سمو ، وذلك السمو هو مدلول الاسم الذي هو الوسم الذي ترادفه التسمية - قاله الحرالي ، وقال في كتاب له في أصول الفقه : الاسم يقال على لفظ التسمية ويقال على حظ ونصيب من ذوات الأشياء ، وتلك هي المعروضة على الملائكة ، واسم التسمية يحاذي به المسمى معلومه من الشيء المسمى الذي هو الاسم المعروض ، وهو عند آدم علم وعند الملائكة ومن لا يعلم حقيقة الاسم المعروض توقيف ونبأ{[1596]} - انتهى .

{[1597]}ولما كان العرض على الملائكة بالغاً في المراد أشار إلى تعظيمه بحرف التراخي فقال{[1598]} : ثم { عرضهم } أي الأشياء . قال الحرالي : أظهرهم عن جانب وهو العرض والناحية { على الملائكة } القائلين لذلك . وقال الحرالي : لما ذكر تعالى مراجعة الملائكة في خلق هذا الخليفة ذكر إبداءه{[1599]} لهم وجه حكمة علية بما أعلى هذا الخليفة من تعليمه إياه حقائق جميع الذوات المشهودة لهم على إحاطتهم بملكوت الله و ملكه شهوداً فأراهم إحاطة علم آدم بما شهدوا صورة{[1600]} ولم يشهدوا حقيقة مدلول {[1601]}تسميتها ، وعلمه حكمة ما بين تلك الأسماء التي هي حظ من الذوات وبين تسمياتها من النطق ليجتمع في علمه خلق كل شيء صورة وأمره كلمة فيكمل علمه في قبله على سبيل سمعه وبصره ، واستخلفه في علم ما{[1602]} له من الخلق والأمر ، وذلك في بدء كونه فكيف يحكم حكمة الله فيما يتناهى إليه كمال خلقه إلى خاتمة أمره فيما انتهى إليه أمر محمد صلى الله عليه وسلم مما هو مبهم في قوله تعالى :

{ وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً{[1603]} }[ النساء : 113 ] فأبدى الله عز وجل لهم بذلك وجه خلافة علمية وعملية في التسمية إعلاء له عندهم ، وقد جعلهم الله عز وجل مذعنين مطيعين فانقادوا للوقت بفضل آدم على جميع الخلق وبدا{[1604]} لهم علم أن الله{[1605]} يعلي من يشاء بما يشاء من خلافة أمره وخلقه ، وتلك الأسماء التي هي حظوظ من صور الموجودات هي المعروضة التي شملها اسم الضمير في قوله تعالى { ثم عرضهم } وأشار إليه " هؤلاء " عند كمال عرضهم ، وأجرى على الجميع ضمير " هم " لاشتمال تلك الكائنات على العاقلين وغيرهم ؛ وبالتحقيق فكل خلق ناطق حين يستنطقه الحق ، كما قال تعالى{[1606]}

اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم{[1607]} }[ يس : 65 ] وإنما العجمة{[1608]} والجمادية بالإضافة إلى ما بين بعض الخلق وبعضهم - انتهى .

{[1609]}وقال أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتاب الزينة : ويقال إن الاسم{[1610]} مأخوذ من السمو وهو العلو والرفعة ، وإنما جعل الاسم تنويهاً بالدلالة على معنى الاسم لأن المعنى تحت الاسم - هذا قول النحويين ؛ والسمة تدل على صاحبها ، لأنهما حرفان سين وميم ، فالسين من السناء والميم من المجد وهو لب الشيء ، فكأنه سمى اسماً لأنه يضيء لك عن لب الشيء ويترجم عن مكنونه ، وليس شيء إلا وقد وسمه الله بسمة تدل على ما فيه من الجوهر ؛ فاحتوت الأسماء على جميع العلم بالأشياء ، فعلمها الله آدم وأبرز فضيلته على الملائكة عليهم السلام - انتهى .

{ فقال } {[1611]}معجزاً لهم{[1612]} { أنبئوني }{[1613]} أي أخبروني إخباراً عظيماً قاطعاً{[1614]} { بأسماء هؤلاء }{[1615]} أي الموجودات بتفرسكم فيها { إن كنتم صادقين }{[1616]} أي فيما تفرستموه في الخليفة وفي أنساله . قال الحرالي : هذه الأسماء المواطئة للتسمية من السمة والأسماء الأول هي الحظوظ من الذوات التي المتسم بها هو المسمى ، ومع ذلك فبين التسمية والاسم مناسبة مجعول الحكمة بينهما بمقتضى أمر العليم الحكيم - انتهى .


[1595]:قال علي المهائمي: "علم آدم" بخلق علم ضروري فيه "الأسماء كلها" أي الألفاظ الدالة على الحقائق إذ هي أقل ما يفيد التميز بينها "ثم عرضهم" أي المسميات "على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء" أي بأقل مميزها حتى يصح دعواكم استحقاقكم الخلافة عليها اللازمة لكلامكم ودعواكم" إن كنتم صادقين" في دعواكم أنكم تسبحون الله على الإطلاق أي بجميع أسمائه وتقدسونه بها – انتهى كلامه. قال أبو البركات النسفي: "وعلم آدم" هو اسم أعجمي واشتاقهم آدم من أديم الأرض أو من الأدمة كاشتقاقهم يعقوب من العقب وإدريس من الدرس وإبليس من الإبلاس، "الأسماء كلها" أي أسماء المسميات، فحذف المضاف إليه لكونه معلوما مدلولا عليه بذكر الأسماء، إذ الاسم يدل على المسمى وعوض منه اللام، ومعنى تعليمه أسماء المسميات أنه تعالى أراه الأجناس التي خلقها وعلمه أن اسمه هذا فرس وهذا يعبر وهذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا؛ وعن ابن عباس رضي الله عنهما: علمه اسم كل شيء حتى القصعة والمغرفة، "ثم عرضهم على الملائكة" أي عرض المسميات لأن في المسميات العقلاء فغلبهم، وإنما استنبأهم وقد علم عجزهم عن الإنباء على سبيل التبكيت "فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" في زعمكم أني استخلف في الأرض مفسدين سفاكين للدماء؛ وفيه رد عليهم وبيان أن فيمن يستخلفه من الفوائد العلمية التي هي أصول الفوائد كلها ما يستأهلون لأجله أن يستخلفوا – انتهى كلامه.
[1596]:في م: بنآ – كذا قال البيضاوي: معنى تعليمه تعالى لآدم الأسماء أنه تعالى خلقه من أجزاء مختلفة (كالقلب والكبد والدماغ) وقوى متبائنة مستعدة لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات وألهمه معرفة ذوات الأشياء وخواصها وأسمائها وأصول العلم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها – انتهى كلامه. وفي الحاشية "والمعنى أنه تعالى اندفع بذلك ما يتوهم أنه لا يظهر فضيلة آدم بذلك لأنه علم بالتعليم ولو علم الملائكة لعلموا ذلك الخ . وقال القاضي ثناء الله العثماني: قال أهل التفسير: المراد أسماء الخلائق، قال البغوي قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: علمه اسم كل شيء وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة... قال أهل التأويل: علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة. قلت: هذه الأقوال ليست بمرضية عندي/ فإن مدار الفضل على كثرة الثواب ومراتب القرب من الله تعالى دون هذه الأمور، لو كان هذه الأمور مدارا لفضله لزم فضله على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم، ولو يكن عليه السلام عالما بجميع اللغات، وعندي أن الله تعالى علم آدم الأسماء كلها علما إجماليا فإنه لما حصل له معية بالذات تعالت وتقدست حصل له بكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته مناسبة تامة ومعية بحيث أنه كلما توجه إلى اسم من أسمائه وصفة من صفاته يتجلى له ذلك الاسم والصفة – والباقي يطلب من تفسيره ج 1 ص 51.
[1597]:ليست في ظ.
[1598]:ليست في ظ.
[1599]:في الأصل: إبدائه وفي م ومد وظ: أبداه – كذا.
[1600]:في ظ: صورة.
[1601]:ليست في ظ.
[1602]:ليس في ظ.
[1603]:سورة 4 آية 113
[1604]:هكذا في م وظ: وفي الأصل: بد ولا يتضح في مد.
[1605]:زيد في ظ: تعالى
[1606]:ليس في م وظ.
[1607]:سورة 36 آية 65.
[1608]:في م ومد: العجمية.
[1609]:العبارة من هنا إلى "انتهى" ليست في ظ.
[1610]:قال البيضاوي: والاسم باعتبار الاشتقاق ما يكون علامة للشيء أو دليلا يرفعه إلى الذهن من الألفاظ والصفات والأفعال، واستعماله عرفا في اللفظ الموضوع لمعنى سواء كان مركبا أو مفردا أو خبرا أو رابطا بينهما؛ والمراد في الآية هو الأول أو الثاني وهو يستلزم الأول، لأن العلم بالألفاظ من حيث الدلالة متوقف على العلم بالمعاني.
[1611]:ليست في ظ.
[1612]:ليست في ظ.
[1613]:ليست في ظ.
[1614]:ليست في ظ.
[1615]:قال البيضاوي: "أنبئوني" تبكيت لهم وتنبيه على عجزهم عن أمر الخلافة فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل تحقيق المعرفة والوقوف على مراتب الاستعدادات وقدر الحقوق محال، وليس بتكليف ليكون من باب التكليف بالمحال؛ والإنباء إخبار فيه إعلام ولذلك يجري مجرى كل واحد منهما.
[1616]:في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة لعصمتكم وأن خلقهم واستخلافهم وهذه صفتهم لا يليق بالحكيم، وإن لم يصرحوا به لكنه لازم مقالتهم.