فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (31)

{ آدم } أبو البشر-عليه السلام- . { الأسماء } العبارات { أنبئوني } أخبروني

{ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضها على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم {[202]}أسماء كل شيء دونهم ، وهذا كان بعد سجودهم له وإنما قدم هذا الفصل على ذاك لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة ، حين سألوا عن ذلك فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون ، ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم . . }{[203]} { الأسماء كلها } [ عن ابن عباس : هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل . . . وأشباه ذلك ، { وعلم } واختلف . . في كيفية التعليم بعد أن فسر أنه فعل يرتب عليه الفعل غالبا وبعد حصول ما يتوقف عليه من جهة المتعلم كاستعداده . . . وتلقيه من جهة المعلم . . . خلق فيه- عليه السلام- بموجب استعداده- علما ضروريا تفصيليا بتلك الأسماء وبمدلولاتها . . { آدم } وإبراز اسمه عليه السلام للتنصيص عليه والتنويه بذكره و{ الأسماء } جمع اسم وهو باعتبار الاشتقاق : ما يكون علامة للشيء ودليلا يرفعه إلى الذهن من الألفاظ . . واستعمل عرفا في الموضوع لمعنى ، مفردا كان أو مركبا مخبرا عنه أو خبرا أو رابطة بينهما . . وقال الإمام : المراد بالأسماء صفات الأشياء ونعوتها وخواصها ، لأنها علامات دالة على ماهيتها ، فجاز أن يعبر عنها بالأسماء . . . { ثم عرضهم على الملائكة } أي المسميات المفهومة من الكلام . . . وقيل الضمير للأسماء باعتبار أنها المسميات مجازا . . . عرض المسميات عليهم يحتمل أن يكون عبارة عن اطلاعهم على الصور العلمية والأعيان الثابتة . . أو إظهار ذلك في عالم تتجسد فيه المعاني- وهذا غير ممتنع على الله تعالى - . . { فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء } . . . وعندي أن المراد إظهار عجزهم وقصور استعدادهم عن رتبة الخلافة الجامعة للظاهر والباطن بأمرهم من الإنباء بتلك الأسماء على الوجه الذي أريد منها والإنباء في الأصل مطلق الإخبار- وهو الظاهر هنا ويطلق على الإخبار بما فيه فائدة عظيمة ويحصل منه علم أو غلبة ظن وقال بعضهم إنه إخبار فيه إعلام . . . للإيذان برفعة شأن الأسماء . . . { إن كنتم صادقين } أي فيما اختلج في خواطركم من أن لا أخلق خلقا إلا أنتم أعلم منه . . . وأفضل وقيل : إن المعنى { إن كنتم صادقين } في زعمكم أنكم اصح بالاستخلاف أو أوفى في استخلافهم لا يليق . . . وليس هذا من المعصية في شيء لأنه شبه اختلجت وسألوا عما يزيحها . . فحاصل المعنى حينئذ أخبروني ولا تقولوا إلا حقا كما قال الإمام ]{[204]} .


[202]:مما نقل الحسن النيسابوري: لو كان في الإمكان شئ أشرف من العلم لأظهر الله تعالى فضل آدم بذلك الشئ ومما يدل على فضيلته الكتاب والسنة ثم أقوال سديدة أما الكتاب فمن ذلك ما يروى عن مقاتل أن الحكمة في القرآن على أربعة أوجه أحدهما مواعظ القرآن {.. وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظمكم به...} وثانيها الحكمة بمعنى الفهم والعلم {وآتيناه الحكم صبيا} {ولقد آتينا لقمان الحكمة..} وثالثهما الحكمة بمعنى النبوة: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة..}؛ ورابعهما القرآن: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا...} وجميع هذه الوجوه عند التحقيق ترجع إلى العلم ومن ذلك أنه تعالى فرق بين سبعة نفر في كتابه: {.. قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..} {قل لا يستوي الخبيث والطيب..}، {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة..}، {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات..} فإذا تأملت وجدت ذلك كل ذلك مأخوذا من الفرق بين العالم والجاهل ومن ذلك قوله: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..} أي العلماء في أصح القول لأن الملوك يجب عليهم طاعة العلماء ولا ينعكس {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم..} جعلهم في الآيتين في المرتبة الثالثة ثم زاد في الإكرام فجعلهم في المرتبة الثانية: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم..}، {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}...، وأما الأخبار فمنها....عن الحسن-مرفوعا-: من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام كان بينه وبين الأنبياء درجة في الجنة؛... وعن عامر الجهني-: يؤتي بمداد العلماء ودم الشهداء يوم القيامة لا يفضل أحدهما على الآخر؛... وعن أبي واقد الليثي أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس إليها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فقد رجع ففر فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من كلامه قال: (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: فأما الأول فأوى إلى الله فآواه الله فأما الثاني فاستحيى فاستحيى الله منه وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه) وعنه صلى الله عليه وسلم: ( يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء) ثم تابع صاحب تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان إيراد ما جاء في الكتاب والسنة مبينا فضل العلم والعلماء وأردف ذلك بأقوال البلغاء وبماذا عرف العلم في بحث مستفيض من ص 223إلى ص382 من الجزء الأول هامش جامع البيان.
[203]:ما بين العارضتين مما أورد صاحب تفسير القرآن العظيم.
[204]:ما بين العلامتين{} مما أورد صاحب روح المعاني.