في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (31)

30

( وعلم آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم على الملائكة ، فقال : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . ) . .

ها نحن أولاء - بعين البصيرة في ومضات الاستشراف - نشهد ما شهده الملائكة في الملأ الأعلى . . ها نحن أولاء نشهد طرفا من ذلك السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري ، وهو يسلمه مقاليد الخلافة . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض . ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى ، لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات ، والمشقة في التفاهم والتعامل ، حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . . الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة ! الشأن شأن جبل . فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة ! وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .

فأما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية ، لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم الله آدم هذا السر ، وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . .

/خ39