الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (31)

وقوله تعالى : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا }[ البقرة :31 ] .

معناه : عرَّف ، وتعليم آدم هنا عند قومٍ إِلهامُ علمه ضرورةً ، وقال قوم : بل تعليمٌ بقولٍ ، إما بواسطة مَلَكٍ ، أو بتكليمٍ قبل هبوطه الأرضَ ، فلا يشارك موسى عليه السلام في خَاصَّة .

( ت ) قال الشيخ العارفُ باللَّه عبد اللَّه بن أبي جَمْرَةَ : تعليمه سبحانه لآِدم الأسماء كلَّها إِنما كان بالعلْم اللدنيِّ بلا واسطة ، انتهى من كتابه الذي شرح فيه بعض أحاديث البخاريِّ ، وكل ما أنقله عنه فمنه ، واختلف المتأوِّلون في قوله : { الأسماء } فقال جمهور الأُمَّة : علَّمه التسميات ، وقال قومٌ عرض عليه الأشخاص ، والأول أبين ، ولفظة عَلَّمَ تعاطي ذلك ، ثم اختلف الجمهورُ في أيِّ الأسماء علَّمه ، فقال ابن عبَّاسٍ ، وقتادة ، ومجاهدٌ : علَّمه اسم كلِّ شيء من جميع المخلوقات دقيقها وجليلها ، وقال الطبريُّ : علَّمه أسماء ذريته ، والملائكة ، ورجَّحه بقوله تعالى : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } وقال أكثر العلماء : عَلَّمه تعالى منافعَ كلِّ شيء ، ولما يصلَح وقيل غير هذا ، واختلف المتأوِّلون ، هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص ؟ .

{ وأَنْبِئُونِي } معناه : أخبروني ، والنبأ : الخبر ، وقال قوم : يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليفُ ما لا يطاقُ ، ويتقرَّر جوازه ، لأنه سبحانه عَلِمَ أنهم لا يعلمون .

وقال المحقِّقون من أهل التأويل : ليس هذا على جهة التكليفِ ، إِنما هو على جهة التقرير والتوقيف .

وقوله تعالى : { هَؤُلاَءِ } ظاهره حضورُ أشخاصٍ ، وذلك عند العرض على الملائكة ، وليس في هذه الآية ما يدلُّ أن الاسم هو المسمى كما ذهب إِليه مَكِّيٌّ والمَهْدَوِيُّ ،

والذي يظهر أن اللَّه تعالى علَّم آدم الأسماء وعرض مع ذلك عليه الأجناس أشخاصاً ، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلَّمها آدم ، ثم إِن آدم قال لهم : هذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا .

{ وهَؤُلاَءِ } : مبنيٌّ على الكسر ، { وَكُنْتُمْ } في موضع الجزمِ بالشرْطِ والجواب عند سيبويه فيما قبله ، وعند المبرِّد محذوفٌ تقديره : إِن كنتمْ صادِقِينَ ، فَأَنْبِئوني ، وقال ابن عبَّاس ، وابن مسعود ، وناسٌ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم معنى الآية : إِنْ كنتم صادِقِينَ في أنَّ الخليفةَ يُفْسِدُ ويسفك .

( ت ) وفي النفس من هذا القول شيءٌ ، والملائكة منزَّهون معصومون كما تقدَّم والصواب ما تقدَّم من التفسير عند قوله تعالى : { أَتَجْعَلُ فِيهَا . . . }[ البقرة :30 ] الآية .

وقال آخرون : { إِن كنتم صادِقِينَ }[ البقرة :31 ] في أنِّي إِن استخلفتكم سبَّحتم بحَمْدِي وقدَّستم لي .

وقال قوم معناه : إن كنتم صادقين في جوابِ السؤالِ ، عالمين بالأسماء .