المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

افتتحت هذه السورة باستحقاق الله وحده الثناء والمدح على ما أنعم به على عباده فكل ما في السماوات والأرض له سبحانه خلقا وملكا ، وتحكي السورة قالة الكافرين في الساعة ، واستبعادهم للبعث ، ورميهم الرسول بالكذب وبالجنون ، ويردهم سبحانه إلى دلائل قدرته ، ويخوفهم من أن ينزل بهم مثل ما نزل بأشباههم فيخسف بهم الأرض ، أو يسقط عليهم قطعا من السماء ، ويذكرهم بفعله مع أوليائه . فقد ألان الحديد لداود ، ومكن سليمان وسخر له الجن يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ، وداود وسليمان قد شكرا النعمة ، وقليل من عباد الله الشكور ، وأتبع ذلك بما أنعم الله على سبأ من نعم لم يشكروها ، فكان لهم جنتان عن يمين وشمال ، فكانت قراهم متقاربة يسيرون إليها آمنين ، فأبطرتهم النعمة وطلبوا بعد الأسفار ، فجازاهم الله بما يجازي به الجاحدين لنعمه ، وهم قد حققوا ظن إبليس واتبعوه ، وما كان له عليهم من سلطان ، وإنما هو فتنة تميز المؤمن بالآخرة ممن هو في شك منها . ثم أخذت السورة نصف من جعلوهم آلهة بالعجز ، وتذكر أن كل نفس مسئولة عن جرمها ، وتثبت عموم رسالة الرسول ، وتنقل استبطاء المشركين ليوم الوعيد ، وله وقت معلوم .

وتحكي السورة قول الكافرين في القرآن ومحاورة المستكبرين والضعفاء ، وتضع حدا للتفاخر بالأموال والأولاد ، وأنها لا تقرب إلى الله إلا بقدر ما توجه إليه من نفع عام ، فهي ملكه ، وهو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، وتعرض صورا للمشركين ، فقد قالوا في رسولهم : إنه يريد أن يصدهم عما يعبد آباؤهم ، وقالوا فيما نزل عليه من آيات : إفك مفترى وسحر مبين ، وما أتوا كتبا من قبل ؟ ، وما أرسا إليهم قبلك من رسول ، وقد أرسلنا إلى من قبلهم ممن علموا قوتهم وعزتهم وأخبارهم ، فلما لم يستجيبوا أخذناهم بالعذاب . ويؤمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوضح مهمته معهم ، وأنها التذكير دون الإلجاء ، ويؤمرون بالنظر في صاحبهم ، فما به جنون ، ولا هو طالب لمال ، ودعوته للناس إلى الحق بوحي من الله تعالى ليتحقق لهم الأمن ، فإذا جاءت الساعة وفزعوا ولا مهرب أخذوا من مكان قريب ، وقالوا عند ذلك : آمنا . وأنى لهم الإيمان وقد كفروا من قبل ، وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأمثالهم ، إنهم جميعا كانوا في شك من أمر الدين موقع في الريبة .

1- الثناء كله حق لله - وحده - الذي له ما في السماوات وما في الأرض خلقا ومُلْكا وتدبيرا ، وله - وحده - الثناء في الآخرة لملكه الشامل ، وهو الحكيم الذي لا يخطئ ، الخبير الذي لا يغيب عنه سر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة سبإ مكية وآياتها أربع وخمسون .

قوله : { الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض } ملكاً وخلقاً ، { وله الحمد في الآخرة } كما هو له في الدنيا ، لأن النعم في الدارين كلها منه . وقيل : الحمد لله في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال الله تعالى : { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } { الحمد لله الذي صدقنا وعده } . { وهو الحكيم الخبير* }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة سبأ وهي مكية

{ 1 - 2 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }

الحمد : الثناء بالصفات الحميدة ، والأفعال الحسنة ، فللّه تعالى الحمد ، لأن جميع صفاته ، يحمد عليها ، لكونها صفات كمال ، وأفعاله ، يحمد عليها ، لأنها دائرة بين الفضل الذي يحمد عليه ويشكر ، والعدل الذي يحمد عليه ويعترف بحكمته فيه .

وحمد نفسه هنا ، على أن { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } ملكا وعبيدا ، يتصرف فيهم بحمده . { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ } لأن في الآخرة ، يظهر من حمده ، والثناء عليه ، ما لا يكون في الدنيا ، فإذا قضى اللّه تعالى بين الخلائق كلهم ، ورأى الناس والخلق كلهم ، ما حكم به ، وكمال عدله وقسطه ، وحكمته فيه ، حمدوه كلهم على ذلك ، حتى أهل العقاب ما دخلوا النار ، إلا وقلوبهم ممتلئة من حمده ، وأن هذا من جراء أعمالهم ، وأنه عادل في حكمه بعقابهم .

وأما ظهور حمده في دار النعيم والثواب ، فذلك شيء قد تواردت به الأخبار ، وتوافق عليه الدليل السمعي والعقلي ، فإنهم في الجنة ، يرون من توالي نعم اللّه ، وإدرار خيره ، وكثرة بركاته ، وسعة عطاياه ، التي لم يبق في قلوب أهل الجنة أمنية ، ولا إرادة ، إلا وقد أعطي فوق ما تمنى وأراد ، بل يعطون من الخير ما لم تتعلق به أمانيهم ، ولم يخطر بقلوبهم .

فما ظنك بحمدهم لربهم في هذه الحال ، مع أن في الجنة تضمحل العوارض والقواطع ، التي تقطع عن معرفة اللّه ومحبته والثناء عليه ، ويكون ذلك أحب إلى أهلها من كل نعيم ، وألذ عليهم من كل لذة ، ولهذا إذا رأوا اللّه تعالى ، وسمعوا كلامه عند خطابه لهم ، أذهلهم ذلك عن كل نعيم ، ويكون الذكر لهم في الجنة ، كالنَّفس ، متواصلا في جميع الأوقات ، هذا إذا أضفت ذلك إلى أنه يظهر لأهل الجنة في الجنة كل وقت من عظمة ربهم ، وجلاله ، وجماله ، وسعة كماله ، ما يوجب لهم كمال الحمد ، والثناء عليه .

{ وَهُوَ الْحَكِيمُ } في ملكه وتدبيره ، الحكيم في أمره ونهيه . { الْخَبِيرُ } المطلع على سرائر الأمور وخفاياها ولهذا فصل علمه بقوله : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { الْحَمْدُ للّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الاَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } .

يقول تعالى ذكره : الشكر الكامل ، والحمد التامّ كله ، للمعبود الذي هو مالك جميع ما في السموات السبع ، وما في الأرَضين السبع دون كل ما يعبدونه ، ودون كل شيء سواه ، لا مالك لشيء من ذلك غيره فالمعنى : الذي هو مالك جميعه وَلهُ الحَمْدُ فِي الاَخِرَةِ يقول : وله الشكر الكامل في الاَخرة ، كالذي هو له ذلك في الدنيا العاجلة ، لأن منه النعم كلها على كل من في السموات والأرض في الدنيا ، ومنه يكون ذلك في الاَخرة ، فالحمد لله خالصا دون ما سواه في عاجل الدنيا ، وآجل الاَخرة ، لأن النعم كلها من قِبله لا يُشركه فيها أحد من دونه ، وهو الحكيم في تدبيره خلقه وصرفه إياهم في تقديره ، خبير بهم وبما يصلحهم ، وبما عملوا ، وما هم عاملون ، محيط بجميع ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَهوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ حكيم في أمره ، خبير بخلقه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة سبأ مكية وقيل إلا قوله : ويرى الذين أتوا العلم الآية ، وآيها أربع وخمسون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } خلقا ونعمة ، فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته وعلى تمام نعمته ، { وله الحمد في الآخرة } لأن ما في الآخرة أيضا كذلك ، وليس هذا من عطف المقيد على المطلق فإن الوصف بما يدل على أنه المنعم بالنعم الدنيوية قيد الحمد بها ، وتقديم الصلة للاختصاص فإن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة . { وهو الحكيم } الذي أحكم أمور الدارين . { الخبير } ببواطن الأشياء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة سبأ مكية

وآياتها أربع وخمسون

هي سورة مكية واختلف في قوله تعالى :{ ويرى الذين أوتوا العلم } [ سبأ : 6 ] الآية{[1]} فقالت فرقة هي مكية والمراد المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم وقالت فرقة هي مدنية والمراد من أسلم بالمدينة من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأشباهه{[2]} .

قوله عز وجل :

الألف واللام في { الحمد } لاستغراق الجنس ، أي { الحمد } على تنوعه هو { لله } تعالى من جميع جهات الفكرة ، ثم جاء بالصفات التي تستوجب المحامد وهي ملكه جميع ما في السماوات والأرض ، وعلمه المحيط بكل شيء وخبرته بالأشياء إذ وجودها إنما هو به جلت قدرته ورحمته بأنواع خلقه وغفرانه لمن سبق في علمه أن يغفر له من مؤمن{[9594]} .

وقوله تعالى : { وله الحمد في الآخرة } يحتمل أن تكون الألف واللام للجنس أيضاً وتكون الآية خبراً ، أي أن الحمد في الآخرة هو له وحده لإنعامه وإفضاله وتغمده وظهور قدرته وغير ذلك من صفاته ، ويحتمل أن تكون الألف واللام فيه للعهد والإشارة إلى قوله تعالى : { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }{[9595]} [ يونس : 10 ] أو إلى قوله { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده }{[9596]} [ الزمر : 74 ] .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[9594]:في بعض النسخ:"لمن سبق في علمه أن يغفر له في الآخرة".
[9595]:من الآية(10) من سورة (يونس).
[9596]:من الآية(74) من سورة(الزمر).