التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية كلها ، باستثناء آية واحدة اختلفوا في كونها مكية أو مدنية وهي { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ } والسورة مبدوءة بحمد الله ، مالك السماوات والأرض ؛ فهو سبحانه يحمده الحامدون في الدنيا والآخرة ، يحمده المؤمنون من الخلائق أحياء وغير أحياء ، ويحمده المؤمنون من الإنس والجن والملائكة ، وتحمده السماوات والأرض بما حوته من أجرام هائلة وكثيرة ومختلفة .

وفي السورة تأكيد بالغ على قيام الساعة . وهذه حقيقة كونية هائلة وقد أمر الله نبيه الكريم أن يقسم بجلاب الله على وقوعها وأنها كائنة إذا جاء ميعادها ، وهو قوله سبحانه : { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } .

وفي السورة إخبار عن بعض النبيين السابقين وعن ضلالات الأمم الغابرة . وذلكم نبي الله دود آتاه الله من لدنه فضلا إذ سخّر له الجبال والطير مُسبّحة معه ومؤوِّبة تأويبا ، وكذلك الحديد قد ألانه الله له ليصنع منه الدروع . وكذلك سليمان عليه الصلاة والسلام وهو نبي عظيم من أنبياء إسرائيل ، سخر الله الريح لتحمل بساطه وعلى متنه الراكبون والأمتعة الثقال .

وفي السورة بيان بقصة سبأ ، وهم ملوك اليمن وأهلها ومنهم التابعة فقد آتاهم الله سعة في الرزق وطيبا في العيش حتى إذا عصوا وجحدوا فضل ربهم أرسل الله عليهم سيلا جارفا فتفرقوا في البلاد شذَر مذَر .

وفي السورة بيان بأحوال المجرمين الخاسرين وهم في العرصات يوم القيامة ؛ إذ يتلاومون فيما بينهم فيوبخ بعضهم بعضا ، وقد أنحى كل فريق باللوائم على الفريق الآخر بما ينسبُه إليه من تسبب في الهلكة والخسران . إلى غير ذلك من معاني التذكير والتنذير والترهيب .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ( 1 ) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ } .

الله المحمود في الكون كله وله الثناء الكامل ، والشكر المطلق . فهو المنعم بأنعمه وآلائه المستفيضة ، وهو مالك السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن وله ملكوت كل شيء ، وهو سبحانه المحمود في الآخرة مثلما هو محمود في الدنيا { وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } الله حكيم في أقواله وأفعاله وهو الحكيم في تدبير أمور خلقه { الخبير } بما يقولون أو يفعلون . العليم بما يُظهرون وما يُسرّون . وهو سبحانه أعلم بما يصلح شأنهم وبما تصلُح عليه أحوالهم في هذه الدنيا ليسعدوا في حياتهم ثم يُصار بهم إلى النجاة في الآخرة .