فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة سبأ

هي أربع أو خمس وخمسون آية ، وهي مكية

قال القرطبي : في قول الجميع إلا آية واحدة اختلف فيها وهي قوله : { ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك } . فقالت فرقة : هي مكية . وقالت فرقة : هي مدنية . وسيأتي الخلاف في معنى هذه الآية إن شاء الله تعالى . وفيمن نزلت وعن ابن عباس قال : نزلت سورة سبأ بمكة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ الْحَمْدُ للهِ } التعريف إن أجري على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود ، وإن أجري على الاستغراق فالتعريف مشعر باستحقاق جميع أفراد الحمد لله سبحانه على ما تقدم تحقيقه في فاتحة الكتاب . وقيل : معناه أن كل نعمة من الله فهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه واللام لام التمليك لأنه خالق ناطق الحمد أصلا فكان بملكه مالك الحمد للتحميد أهلا ، وقيل هي لام التخصيص والمعنى متقارب أي وله بكل المحامد الاختصاص .

{ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } معناه أن جميع ما هو فيهما في ملكه وتحت تصرفه يفعل به ما يشاء ويحكم فيه بما يريد ، فكل نعمة واصلة إلى العبد فهي مما خلقه له ومن به عليه ، فحمده على ما في السموات والأرض هو حمد له على النعم التي أنعم بها على خلقه مما خلقه لهم ، ولما بين أن الحمد الدنيوي من عباده الحامدين له مختص به ، بين أن الحمد الأخروي مختص به كذلك أيضا فقال :

{ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ } كما له في الدنيا لأن النعم في الدارين كلها منه ، وقيل المعنى أن له على الاختصاص حمد عباده الذي يحمدونه في الدار الآخرة إذا دخلوا الجنة كما في قوله { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده } وقوله ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) وقوله { الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن } وقوله { الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة من فضله } وقوله { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } فهو سبحانه المحمود في الآخرة كما أنه المحمود في الدنيا ، وهو المالك للآخرة كما أنه المالك للدنيا ، غير أن الحمد هنا واجب لأن الدنيا دار تكليف وثم لا ، لعدم التكليف وإنما يحمد أهل الجنة سرورا بالنعيم وتلذذا بما نالوا من الأجر العظيم ، كما ورد : يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس .

{ وَهُوَ الْحَكِيمُ } الذي أحكم أمر الدارين { الْخَبِير } بأمر خلقه فيهما ، وبضمير من يحمده ليوم الجزاء والعرض ، ثم ذكر سبحانه بعض ما يحيط به علمه من أمور السموات والأرض التي نيطت بها مصالحهم الدينية والدنيوية فقال : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ }