قوله عز وجل : { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك } الآية ، اختلفوا في سبب نزولها : قال سعيد بن جبير : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود فمنعته قريش ، وقالوا : لا تدعك حتى تلم بآلهتنا وتمسها ، فحدث نفسه : ما علي أن أفعل ذلك والله تعالى يعلم أني لها كاره ، بعد أن يدعوني حتى أستلم الحجر الأسود . وقيل : طلبوا منه أن يمس آلهتهم حتى يسلموا ويتبعوه فحدث نفسه بذلك ، فأنزل الله هذه الآية . وقال ابن عباس : " قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال ، قال : وما هن ؟ قالوا : أن لا ننحني - أي في الصلاة - ولا نكسر أصنامنا بأيدينا ، وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود ، وأما أن تكسروا أصنامكم بأيديكم فذاك لكم ، وأما الطاغية - يعني اللات والعزى - فإني غير ممتعكم بها ، فقالوا : يا رسول الله إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا ، فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا ، فقل : الله أمرني بذلك ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية " : { وإن كادوا ليفتنونك } ليصرفونك { عن الذي أوحينا إليك } { لتفتري } لتختلق { علينا غيره وإذاً } لو فعلت ما دعوك إليه { لاتخذوك خليلاً } أي : والوك وصافوك .
{ 73-77 } { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا * وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا }
يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق ، فقال : { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا } أي : قد كادوا لك أمرًا لم يدركوه ، وتحيلوا لك ، على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك ، فتجيء بما يوافق أهواءهم ، وتدع ما أنزل الله إليك .
{ وَإِذَا } لو فعلت ما يهوون { لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا } أي حبيبًا صفيًا ، أعز عليهم من أحبابهم ، لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب ، المحببة للقريب والبعيد ، والصديق والعدو .
ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة ، إلا للحق الذي جئت به لا لذاتك ، كما قال الله تعالى { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }
ذكر المفسرون فى سبب نزول الآية الأولى من هذه الآيات روايات منها ما جاء عن سعيد بن جبير أنه قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود فى طوافه ، فمنعته قريش وقالوا : لا ندعك تستلم حتى تُلم بآلهتنا . . . فأبى الله - تعالى - ذلك ، وأنزل عليه هذه الآية .
وروى عطاء عن ابن عباس قال : نزلت فى وفد ثقيف ، أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فسألوه شططا : وقالوا : متعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يُهدى لها . وحرم وادينا كما حرمت مكة ، حتى تعرف العرب فضلنا عليهم . . . فنزلت هذه الآية .
و { إن } فى قوله { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ . . . } مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن .
و { كاد } من أفعال المقاوبة . و { يفتنونك } من الفتنة ، وأصلها الاختبار والامتحان . يقال : فتن الصائغ الذهب ، أى : اختبره ليعرف جيده من خبيثه ، ويقال : فتنت الرجل عن رأيه ، إذا أزلته عما كان عليه ، وهو المراد هنا .
والمعنى ؛ وإن شأن هؤلاء المشركين ، أنهم قاربوا فى ظنهم الباطل ، وزعمهم الكاذب ، أن يخدعوك ويفتنوك - أيها الرسول الكريم - عما أوحينا إليك من هذا القرآن ، لكى تفترى علينا غيره ، وتتقول علينا أقوالاً ما أنزل الله بها من سلطان .
وقوله : { وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } بيان لحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم لو أنه أطاعهم فيما اقترحوه عليه .
قال الجمل ما ملخصه : " وإذًا حرف جواب وجزاء يقدر بلو الشرطية . وقوله : { لاتخذوك } جواب قسم محذوف تقديره : والله لاتخذوك ، وهو مستقبل فى المعنى ، لأن إذًا تقتضى الاستقبال ، إذ معناها المجازاة ، وهذا كقوله - تعالى - : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } أى : ليظلوا .
والمعنى : لو أنك - أيها الرسول الكريم - وافقتهم على مقترحاتهم الفاسدة لأحبوا ذلك منك ، ولصاروا أصدقاء لك فى مستقبل أيامك .
وقد بين القرآن الكريم فى كثير من آياته ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عن مقرحاتهم ورفضها ، ولم يلتفت إليها ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
{ وإن كادوا ليفتنُونك } نزلت في ثقيف قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا ، وكل رباً لنا فهو لنا وكل رباً علينا فهو موضوع عنا ، وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة ، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك فقل إن الله أمرني . وقيل في قريش قالوا لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسها بيدك . وإن هي المخففة واللام هي الفارقة والمعنى : أن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال . { عن الذي أوحينا إليك } من الأحكام { لتفتري علينا غيره } غير ما أوحينا إليك . { وإذا لاتخذوك خليلا } ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك وليا لهم بريئا من ولايتي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.