جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَإِن كَادُواْ لَيَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ لِتَفۡتَرِيَ عَلَيۡنَا غَيۡرَهُۥۖ وَإِذٗا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلٗا} (73)

{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } إن مخففة ، أي : إن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة قيل : نزلت في ثقيف{[2887]} حين قالوا : لا نؤمن حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نحيى في الصلاة ، أي : لا ننحني ولا نكسر أصنامنا بأيدينا وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها{[2888]} فإن خشيت أن يسمع العرب لم أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك ، وقيل نزلت حين قال قريش : لا ندعك يا محمد أن تستلم الحجر الأسود حتى تمس آلهتنا وقيل قالوا : نؤمن بك أن تمس آلهتنا ، وقيل غير ذلك ، { عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } : من الأحكام ، { لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } : غير ما أوحينا إليك ، { وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } : لو اتبعت مرادهم يؤمنوا بك ولكنت لهم وليا .


[2887]:نقله محيي السنة عن ابن عباس /12 منه. [ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/353) وعزاه لابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه].
[2888]:ومن الفوائد الجليلة في هذه الآية أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما، فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وأعظم شركا عندها وبها، فإن اللات على ما نقله ابن خزيمة عن مجاهد: رجل كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره يعبدونه ويعظمونه ولم يكونوا يعتقدون أن اللات خلقت السماوات والأرض، بل كان شركهم باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى كشرك أهل الشرك من أرباب الشاهد بعينه من النذور لها والتبرك بها والتمسح بها وتقبيلها واستلامها وما طلبوا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا مجرد مس آلتهم كما قالوا: نؤمن بك أن تمس آلهتنا وما التمسوا منه إلا التمتيع باللات سنة من غير عبادة كما قالوا على ما رواه البغوي عن ابن عباس: وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها فحدث نفسهما علي أن أفعل ذلك والله تعالى يعلم أني لها كاره بعد أن يدعوني حتى أستلم الحجر وخطر خطرة بقلبه الأشرف فتوعد بهذا الوعيد الشديد والتهديد الأكيد فالرزية كل الرزية ما ابتلي به القبوريون من أهل الزمان فإنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه بالقبور فإنا لله وإنا إليه راجعون، بل كثير منهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا فإذا قيل له بعد ذلك بشيخك ومعتقدك الوالي الفلاني تلكأ وأبي واعترف بالحق وهذا من أبين الأدلة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين وثالث ثلاثة، فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين، أي زرء للإسلام أشد من الكفر وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا فاللهم انصر من نصر الحق وأهدنا إلى سوء السبيل /12.