ثم قال تعالى { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } ، أي : وقد كادوا ليصرفونك عن الذي أوحينا إليك إن قدروا على ذلك ؛ وذلك أن ثقيفاً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : نحن إخوانك وأصهارك وجيرانك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَاذَا تُرِيدُونَ ؟ » قالوا : نريد أن نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال . فقال صلى الله عليه وسلم : « وَمَا هُنَّ ؟ » قالوا : لا ننحني في الصلاة ، ولا نكسر أصنامنا بأيدينا ، وأن تمتَّعنا بالطاغية سنة يعني : بطاعة الأصنام سنة . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : « أمّا قَوْلُكُمْ لا نَنْحَنِي فِي الصَّلاةِ ، فَإنَّهُ لا خَيْرَ في دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ وَلا سُجُودٌ » . قالوا : فإنا نفعل ذلك وإن كان فيه دناءة . « وَأمَّا قَوْلُكُمْ : إنا لا نَكْسِرُ أصْنَامَنَا بِأيْدِينَا ، فَإنَّا سَنَأْمُرُ مَنْ يَكْسِرُهَا » . قالوا : فتمتَّعنا باللات سنة فقال : « إنِّي غَيْرُ مُمَتِّعكُمْ بِهَا » . قالوا : يا رسول الله فإنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره أن يقول لا ، مخافة أن يأبوا الإسلام ، فنزل { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } .
وقال السدي : إن قريشاً قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك ترفض آلهتنا كل الرفض ، فلو أنك تأتيها فتلمسها أو تبعث بعض ولدك فيمسها ، كان أرق لقلوبنا وأحرى أن نتبعك ؛ فأراد أن يبعث ابنه الطاهر فيمسح ، فنهاه الله تعالى عن ذلك ونزل : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } وروى أبو العالية ، عن أصحابه منهم القرظي قال : لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فبلغ { ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 20 ] ، جرى على لسانه تلك الغرانيق العلى وأنَّ شفاعتهن لترتجى ؛ فلما بلغ السجدة ، سجد وسجد معه المشركون ، ثم جاء جبريل فقال : ما جئتك بهذا فنزل : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } إلى قوله : { وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } ، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم مغموماً حتى نزل : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ } الآية .
وروى سعيد بن جبير ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن قريشاً خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه ، وكان في قولهم أن قالوا : يا محمد إنك تأتي بشيء لم يأت به أحد من الناس ، وأنت سيدنا وابن سيدنا ، فما زالوا يكلمونه حتى كاد أن يقاربهم . ثم إن الله تعالى منعه وعصمه عن ذلك ، فقال تعالى : { وَلَوْلاَ أَن ثبتناك لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] الآية ؛ وذلك قوله : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } في القرآن . { لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } ، يعني : لتقول أو تفعل غير الذي أمرتك في القرآن . { وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } ، أي صفياً وصديقاً ؛ ويقال : إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد عن مجلسك سقاط الناس ومواليهم حتى نجلس معك ، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك ، فنزل : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } من تقريب المسلمين . { وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } لو فعلت ما طلبوا منك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.