بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِن كَادُواْ لَيَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ لِتَفۡتَرِيَ عَلَيۡنَا غَيۡرَهُۥۖ وَإِذٗا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلٗا} (73)

ثم قال تعالى { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } ، أي : وقد كادوا ليصرفونك عن الذي أوحينا إليك إن قدروا على ذلك ؛ وذلك أن ثقيفاً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : نحن إخوانك وأصهارك وجيرانك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَاذَا تُرِيدُونَ ؟ » قالوا : نريد أن نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال . فقال صلى الله عليه وسلم : « وَمَا هُنَّ ؟ » قالوا : لا ننحني في الصلاة ، ولا نكسر أصنامنا بأيدينا ، وأن تمتَّعنا بالطاغية سنة يعني : بطاعة الأصنام سنة . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : « أمّا قَوْلُكُمْ لا نَنْحَنِي فِي الصَّلاةِ ، فَإنَّهُ لا خَيْرَ في دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ وَلا سُجُودٌ » . قالوا : فإنا نفعل ذلك وإن كان فيه دناءة . « وَأمَّا قَوْلُكُمْ : إنا لا نَكْسِرُ أصْنَامَنَا بِأيْدِينَا ، فَإنَّا سَنَأْمُرُ مَنْ يَكْسِرُهَا » . قالوا : فتمتَّعنا باللات سنة فقال : « إنِّي غَيْرُ مُمَتِّعكُمْ بِهَا » . قالوا : يا رسول الله فإنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره أن يقول لا ، مخافة أن يأبوا الإسلام ، فنزل { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } .

وقال السدي : إن قريشاً قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك ترفض آلهتنا كل الرفض ، فلو أنك تأتيها فتلمسها أو تبعث بعض ولدك فيمسها ، كان أرق لقلوبنا وأحرى أن نتبعك ؛ فأراد أن يبعث ابنه الطاهر فيمسح ، فنهاه الله تعالى عن ذلك ونزل : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } وروى أبو العالية ، عن أصحابه منهم القرظي قال : لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فبلغ { ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 20 ] ، جرى على لسانه تلك الغرانيق العلى وأنَّ شفاعتهن لترتجى ؛ فلما بلغ السجدة ، سجد وسجد معه المشركون ، ثم جاء جبريل فقال : ما جئتك بهذا فنزل : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } إلى قوله : { وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } ، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم مغموماً حتى نزل : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ } الآية .

وروى سعيد بن جبير ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن قريشاً خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه ، وكان في قولهم أن قالوا : يا محمد إنك تأتي بشيء لم يأت به أحد من الناس ، وأنت سيدنا وابن سيدنا ، فما زالوا يكلمونه حتى كاد أن يقاربهم . ثم إن الله تعالى منعه وعصمه عن ذلك ، فقال تعالى : { وَلَوْلاَ أَن ثبتناك لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] الآية ؛ وذلك قوله : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } في القرآن . { لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } ، يعني : لتقول أو تفعل غير الذي أمرتك في القرآن . { وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } ، أي صفياً وصديقاً ؛ ويقال : إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد عن مجلسك سقاط الناس ومواليهم حتى نجلس معك ، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك ، فنزل : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } من تقريب المسلمين . { وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } لو فعلت ما طلبوا منك .