تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَإِن كَادُواْ لَيَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ لِتَفۡتَرِيَ عَلَيۡنَا غَيۡرَهُۥۖ وَإِذٗا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلٗا} (73)

{ وإن كادوا ليفتنونك } ، يعنى ثقيفا ، يقول : وقد كادوا أن يفتنوك ، يعنى قد هموا أن يصدوك ، { عن الذي أوحينا إليك } ، كقوله سبحانه في المائدة : { واحذرهم أن يفتنوك } ، يعنى يصدوك ، { عن بعض ما أنزل الله إليك } [ المائدة :49 ] ، وذلك أن ثقيفا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : نحن إخوانك ، وأصهارك ، وجيرانك ، ونحن خير أهل نجد لك سلما ، وأضره عليك حربا ، فإن نسلم تسلم نجد كلها ، وإن نحاربك يحاربك من وراءنا ، فأعطنا الذي نريد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وما تريدون ؟" قالوا : نسلم على ألا تجش ، ولا نعش ، ولا نحني ، يقولون : على ألا نصلي ، ولا نكسر أصناما بأيدينا ، وكل ربا لنا على الناس فهو لنا ، وكل ربا للناس فهو عنا موضوع ، ومن وجدناه في وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه ، وضربنا ظهره وبطنه ، وحرمته كحرمة مكة ، وصيده وطيره وشجره ، وتستعمل على بني مالك رجلا ، وعلى الأحلاف رجلا ، وأن تمتعنا باللات والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها ؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا عليهم .

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما قولكم : لا تجشي ، ولا نعشي ، والربا ، فلكم ، وأما قولكم : لا نحني ، فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود" ، قالوا : نفعل ذلك ، وإن كان علينا فيه دناءة ، "وأما قولكم : لا نكسر أصنامنا بأيدينا ، فإنا سنأمر من يكسرها غيركم" ، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : تمتعنا باللات سنة ، فأعرض عنهم ، وجعل يكره أن يقول : لا ، فيأبون الإسلام ، فقالت ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كان بك ملامة العرب في كسر أصنامهم وترك أصنامنا ، فقل لهم : إن ربي أمرني أن أقر اللات بأرضهم سنة .

فقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، عند ذلك : أحرقتم قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر اللات ، أحرق الله أكبادكم ، لا ، ولا ونعمة ، غير أن الله عز وجل لا يدع الشرك في أرض يعبد الله تعالى فيها ، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس ، وإما أن تلحقوا بأرضكم ، فأنزل الله عز وجل : { وإن كادوا ليفتنونك } ، يقول : وإن كادوا ليصدونك ، { عن الذي أوحينا إليك } { لتفتري علينا غيره } ، يقول سبحانه : لتقول علينا غيره ما لم نقل ؛ لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم : قل إن الله أمرني أن أقرها ، { وإذا لاتخذوك خليلا } آية ، يعنى محبا ، نظيرها في الفرقان : { فلانا خليلا } [ الفرقان :28 ] ، يعنى محبا ، لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه إذا لأحبوك .