روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِن كَادُواْ لَيَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ لِتَفۡتَرِيَ عَلَيۡنَا غَيۡرَهُۥۖ وَإِذٗا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلٗا} (73)

{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } قيل نزلت في ثقيف قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالاً نفتخر بها على العرب لا نشعر ولا نحشر ولا نجبى في الصلاة وكل رباً لنا فهو لنا وكل رباً علينا فهو موضوع عنا وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم وادينا وجاكما حرمت مكة فإن قالت العرب : لم فعلت ذلك ؟ فقل : إن ا تعالى أمرني ، وروى ذلك الثعلبي عن ابن عباس ولم يذكر له سنداً .

وقال العراقي فيه : إنا لم نجده في كتب الحديث ؛ ونقله الزمخشري بزيادة ، ونقل غيره أنهم طلبوا ثلاث خصال عدم التجبية في الصلاة وكسر أصنامهم بأيديهم وتمتيعهم باللات سنة من غير أن يعبدوها بل ليأخذوا ما يهدي لها فقال صلى الله عليه وسلم : " لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود » وأما كسر أصنامكم بأيديكم فذلك لكم وأما الطاغية اللات فإني غير ممتعكم بها " وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ما بالكم آديتم رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لا يدع الأصنام في أرض العرب فما زالوا به حتى أنزل الله تعالى الآية .

وأخرج ابن أبي إسحق . وابن مردويه . وغيرهما عنه رضي الله تعالى عنه أن أمية بن خلف . وأبا جهل . ورجالاً من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تعالى فتسمح بآلهتنا وندخل معك في دينك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم فانزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله سبحانه : { نَصِيراً } [ الإسراء : 75 ] ، وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن باذان عن جابر بن عبد الله مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك فنزلت ، وقيل : إنهم قالوا له عليه الصلاة والسلام : اجعل لنا آية رحمة آية عذاب . وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك فنزلت .

وفي ذلك روايات أخر مختلفة أيضاً وفي بعضها ما لا يصح نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكاد يؤول وذلك يدل على الوضع والتفسير لا يتوقف على شيء من ذلك ، وأياما كان فضمير الجمع للكفار وهم إما ثقيف قريش ، و { ءانٍ } مخففة من المثقلة واسمها ضمير شان مقدر واللام هي الفارقة بين المخففة وغيرها أي أن الشان قاربوا في ظنهم أن يوقعوك في الفتنة صار فيك { عَنِ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد { لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } لتتقول علينا غير الذي أوحيناه إليك مما اقترح عليك ثقيف من تحريم وج مثلاً أو قريش من جعل آية الرحمة آية عذاب وبالعكس ، وقيل : المعنى لتحل محل المفتري علينا لأنك إن اتبعت أهواءهم أو همت أنك تفعل ذلك عن ووحينا لأنك رسولنا فكنت كالمفتري .

{ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } أي لو فعلت ليتخذنك صديقاً لهم ، وكان المراد ليكونن بينك وبينهم مخالة وصداقة وهم أعداء الله تعالى فمخالتهم تقتضي الانقطاع عن ولايته عز وجل كما قيل :

إذا صافى صديقك من تعادى . . . فقد عاداك وانقطع الكلام

وقيل : الخليل هذا من الخلة بمعنى الحاجة أي لاتخذوك فقيراً محتاجاً إليهم وهو كما ترى .