المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

104- وإن السبيل للاجتماع الكامل على الحق في ظل كتاب الله ورسوله أن تكونوا أمة يدعون إلى كل ما فيه صلاح ديني أو دنيوي ، ويأمرون بالطاعة ، وينهون عن المعصية ، وأولئك هم الفائزون فوزاً كاملاً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

قوله تعالى : { ولتكن منكم أمة } . أي كونوا أمة و " م " صلة ليست للتبعيض ، كقوله تعالى ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) . لم يرد اجتناب بعض الأوثان بل أراد فاجتنبوا الأوثان ، واللام في قوله " ولتكن " لام الأمر .

قوله تعالى : { يدعون إلى الخير } . إلى الإسلام .

قوله تعالى : { ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر قال : أنا عبد الغافر بن محمد قال أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر محمد بن أبي شيبة أخبرنا وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : قال أبو سعيد رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقو ل : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .

أخبرنا أبو عبد الله بن الفضل الخرقي قال : أخبرنا أبو الحسن الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أخبرنا أحمد بن علي الكشمهيني ، أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر ، أنا عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم " .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، أنا علي بن الحسين الدرابجردي ، أخبرنا أبو النعمان ، أخبرنا عبد العزيز بن مسلم المقسميلي ، أنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول : يا أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) . وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه " .

أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عمرو بن حفص بن غياث ، أخبرنا أبي أنا الأعمش حدثني الشعبي أنه سمع النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المداهن في حدود الله تعالى والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة ، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به ، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا :مالك ؟ قال : تأذيتم بي ولابد لي من الماء ؟ فإن أخذوا على يديه أنجوه وأنجوا أنفسهم ، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

أي : وليكن منكم أيها المؤمنون الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والاعتصام بحبله { أمة } أي : جماعة { يدعون إلى الخير } وهو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله ويبعد من سخطه { ويأمرون بالمعروف } وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه { وينهون عن المنكر } وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه ، وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه ، ويدخل في ذلك العلماء المعلمون للدين ، والوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في دين الإسلام ، ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة ، والمجاهدون في سبيل الله ، والمتصدون لتفقد أحوال الناس وإلزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام ، وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد أهل الأسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة ، وكل هذه الأمور من فروض الكفايات كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله { ولتكن منكم أمة } إلخ أي : لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الأشياء المذكورة ، ومن المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به فكل ما تتوقف هذه الأشياء عليه فهو مأمور به ، كالاستعداد للجهاد بأنواع العدد التي يحصل بها نكاية الأعداء وعز الإسلام ، وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة إلى الخير وسائلها ومقاصدها ، وبناء المدارس للإرشاد والعلم ، ومساعدة النواب ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال ، وغير ذلك مما تتوقف هذه الأمور عليه ، وهذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين ، ولهذا قال تعالى عنهم : { وأولئك هم المفلحون } الفائزون بالمطلوب ، الناجون من المرهوب ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

وبعد أن أمرهم - سبحانه - بتكميل أنفسهم عن طريق خشيته وتقواه والاعتصام بدينه وبكتابه ، عقب ذلك بأمرهم بالعمل على تكميل غيرهم وإصلاح شأنه عن طريق دعوته إلى الخير وإبعاده عن الشر فقال - تعالى - :

{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر } .

الأمة : الجماعة التى تؤم وتقصد لأمر ما وتطلق على أتباع الأنبياء كما تقول : نحن من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى الرجل الجامع للخير الذى يقتدى به كقوله - تعالى -

{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } وعلى الدين والملة كقوله - تعالى - { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ } وعلى الحين والزمان كقوله - تعالى - : { وَقَالَ الذي نَجَا مِنْهُمَا وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ } والمراد بالأمة هنا الطائفة من الناس التى تصلح لمباشرة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

والمراد بالخير ما فيه صلاح للناس دينى أو دنيوى .

والمراد بالمعروف ما حسنه الشرع وتعارف العقلاء على حسنه والمنكر ضد ذلك .

والمعنى : ولتكن منكم أيها المؤمنون طائفة قوية الإيمان عظيمة الإخلاص ، تبذلى أقصى طاقتها وجهدها فى الدعوة إلى الخير الذي يصلح من شأن الناس ، وفى أمرهم بالتمسك بالتعاليم وبالأخلاق التى توافق الكتاب والسنة والعقول السليمة ، وفى نهيهم عن المنكر الذى يأباه شرع الله ، وتنفر منه الطباع الحسنة .

وقوله : { وَلْتَكُن } صيغة وجوب من الله - تعالى - على كل من يصلح لمهمة الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

وتكن إما من كان التامة أى : ولتوجد منكم أمة . فيكون قوله : { أُمَّةٌ } فاعلا لتكن وجملة { يَدْعُونَ } صفة لأمة ، و { مِّنْكُمْ } متعلق بتكن .

وإما من كان الناقصة فيكون قوله : { أُمَّةٌ } اسمها ، وجملة { يَدْعُونَ } صفة لأمة ، و { مِّنْكُمْ } متعلق بكان الناقصة ، أو بمحذوف وقع حالا من أمة .

و { مِّنْ } فى قوله - تعالى - { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ } يرى أكثر العلماء أنها للتبعيض .

أى : ليكن بعض منكم أمة أى طائفة تبذل جهدها فى تبليغ رسالات الله وفى دعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .

وفى هذا التبعيض وتنكير أمة تنبيه على قلة العاملين بذلك وأنه لا يخاطب به إلا الخواص . ومن هذا الأسلوب قوله - تعالى - : { اتقوا الله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } فقد وجه الخطاب إلى نفس منكرة تنبيها على قلة الناظر فى معاده .

وعلى هذا فكأن الآية الكريمة قد اشتملت على طلبين :

أحدهما : وجه إلى الأمة كلها يطالبها بأن تعد طائفة من بينها لهذه المهمة السامية وهى دعوة الناس إلى الخير وأن تزود هذه الطائفة الصالحة لهذه المهمة بكل ما يمكنها من أداء مهمتها .

وثانيهما : موجه إلى تلك الطائفة الصالحة لهذه المهمة ، بأن تخلص فيها ، وتؤديها على الوجه الأكمل الذى يرضى الله - تعالى - .

ويرى بعض العلماء أن " من " فى قوله - تعالى - { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ } بيانية .

فيكون المعنى أن الأمة كلها عليها واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا على سبيل الفرض الكفائى ، بل على سبيل الفرض العينى .

أى : لتكونوا أيها المؤمنون جميعا أمة تدعون إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فمن هنا ليس المراد بها التبعيض على هذا الرأى بل المراد بها البيان ، وذلك كقولك : لفلان من أولاده جند ، وللأمير ن غلمانه عسكر ، تريد بذلك جميع أولاجه وغلمانه .

ويبدو لنا أن الرأى الأول وهو أن " من " للتبعيض أقرب إلى الصواب ، لأن الأمة كلها برجالها ونسائها وشبابها وشيوخها لا تصلح لهذه المهمة السامية ، وإنما يصلح لها من يجيدها ويحسنها بأن تكون عنده القدرة العقلية ، والعلمية ، والنفسية ، والخلقية ، لأدائها .

ولذا قال صاحب الكشاف مرجحا أن " من " للتبعيض : قوله : { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ } من للتبعيض ، لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من فروض الكفايات ، لأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر ، وعلم كيف يرتب الأمر فى إقامته وكيف يباشره فإن الجاهل ربما نهى عن معروف وأمر بمنكر ، وربما عرف الحكم فى مذهبه وجهله فى مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر . وقد يغلظ في موضع اللين ، ويلين فى موضع الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا ، أو على من الإنكار عليه عبث .

وقيل " من " للتبيين ، بمعنى : وكونوا أمة تأمرون ، كقوله - تعالى - { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر } وقوله - تعالى - { وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر } معطوف على قوله : { يَدْعُونَ إِلَى الخير } من باب عطف الخاص على العام .

وفائدة هذا التخصيص ذكر الدعاء إلى الخير عاما ثم مفصلا على هذين الوجهين وهما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، لأنهما أشرف ألوان الدعوة إلى الخير .

وقوله : { يَدْعُونَ إِلَى الخير } المفعول فيه محذوف وكذلك فى قوله : " يأمرون وينهون " والتقدير يدعون الناس إلى الخير ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر .

وحذف المفعول للإيذان بظهوره . أو للقصد إلى إيجاد نفس الفعل . أى يفعلون الدعاء إلى الخير ، أو لقصد التعميم أى يدعون كل من تتأتى له الدعوة .

وقد ختم - سبحانه - الآية الكريمة بتبشير هؤلاء الداعين إلى الخير بالفلاح فقال { وأولئك هُمُ المفلحون } والفلاح هو الظفر وإدراك البغية .

أى : وأولئك القائمون بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هم الكاملون في الفلاح والنجاح ، ولا يمكن أن يفلح سواهم ممن لم يقم بهذا الواجب الذى هو مناط عزة الجماعات والأفراد ، وأساس رفعتهم وقوتهم وسعادتهم .

قال بعض العلماء : فى الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة ، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة ، وأصل عظيم من أصولها ، وركن مشيد من أركانها ، وبه يرتفع سنامها ويكمل نظامها .

وقال الإمام الغزالى : فى هذه الآية بيان الإيجاب . فإن قوله : { وَلْتَكُن } أمر . وظاهر الأمر الإيجاب ، وفيها بيان أن الفلاح منوط به . إذ حصر وقال : { وأولئك هُمُ المفلحون } وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين وأنه إذا قام به البعض سقط الفرض عن الآخرين ، إذ لم يقل كونوا كلكم آمرين بالمعروف ، بل قال : { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ } وإن تقاعد عنه الخلق جميعا عم الإثم كافة القادرين عليه لا محالة .

هذا وقد وردت أحاديث متعددة فى فضل الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وفى بيان العاقبة السيئة التى تترتب على ترك هذا الواجب ، ومن ذلك :

ما رواه مسلم والترمذى وابن ماجة النسائي عن أبى سعيد الخدرى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .

وروى الترمذى عن جابر بن عبد الله عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فامره ونهاه فقتله " .

وروى الشيخان عن جرير بن عبد الله قال : بايعت النبى صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقننى فيما استطعت والنصح لكل مسلم .

وروى أبو داود والترمذى وابن ماجه والنسائى عن أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - قال : ياأيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : { ياأيها الذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

يقول تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ } أي : منتصبة للقيام بأمر الله ، في الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } قال الضحاك : هم خاصّة الصحابة وخاصة الرُّواة ، يعني : المجاهدين والعلماء .

وقال أبو جعفر الباقر : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } ثم قال : " الْخَيْرُ اتِّبَاعِ القُرآنِ وَسُنَّتِي " رواه ابن مردويه .

والمقصود من هذه الآية أن تكون فرْقَة من الأمَّة متصدية لهذا الشأن ، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه ، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَده ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ " . وفي رواية : " وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ " {[5458]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان الهاشمي ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني عَمْرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ، عن حذيفة بن اليمان ، أن النبي{[5459]} صلى الله عليه وسلم قال : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ " .

ورواه الترمذي ، وابن ماجة ، من حديث عَمْرو بن أبي عمرو ، به وقال الترمذي : حسن{[5460]} والأحاديث في هذا الباب كثيرة مع الآيات الكريمة كما سيأتي تفسيرها في أماكنها .


[5458]:صحيح مسلم برقم (49) من حديث أبي موسى الأشعري، قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "وهم الحافظ ابن كثير وهما شديدا، فحديث: "من رأى منكم منكرا" هو حديث أبي موسى".
[5459]:في أ: "أن رسول الله".
[5460]:المسند (5/388) وسنن الترمذي برقم (2169).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

قرأ الحسن والزهري وأبو عبد الرحمن وعيسى بن عمر وأبو حيوة : «ولِتكن » بكسر اللام على الأصل ، إذ أصلها الكسر ، وكذلك قرؤوا لام الأمر في جميع القرآن ، قال الضحاك والطبري وغيرهما : أمر المؤمنون أن تكون منهم جماعة بهذه الصفة ، فهم خاصة أصحاب الرسول ، وهم خاصة الرواة .

قال القاضي : فعلى هذا القول «من » للتبعيض ، وأمر الله الأمة بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفاعيل على وجوهها ويحفظون قوانينها على الكمال ، ويكون سائر الأمة متبعين لأولئك ، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا بعلم واسع ، وقد علم تعالى أن الكل لا يكون عالماً ، وذهب الزجّاج وغير واحد من المفسرين ، إلى أن المعنى : ولتكونوا كلكم أمة يدعون ، «ومن » لبيان الجنس قال : ومثله من كتاب الله ، { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }{[3395]} ومثله من الشعر قول القائل : [ البسيط ]

أَخُوا رَغَائِبَ يُعْطِيها وَيسْأَلُها . . . يأبى الظُّلامةَ مِنْهُ النُّوفَل الزّفرُ{[3396]}

قال القاضي : وهذه الآية على هذا التأويل إنما هي عندي بمنزلة قولك : ليكن منك رجل صالح ، ففيها المعنى الذي يسميه النحويون ، التجريد ، وانظر أن المعنى الذي هو ابتداء الغاية يدخلها ، وكذلك يدخل قوله تعالى : { من الأوثان } ذاتها ولا تجده يدخل قول الشاعر : منه النوفل الزفر ، ولا تجده يدخل في «من » التي هي صريح بيان الجنس ، كقولك ثوب من خز ، وخاتم من فضة ، بل هذه يعارضها معنى التبعيض ، ومعنى الآية على هذا التأويل : أمر الأمة بأن يكونوا يدعون جميع العالم إلى الخير ، الكفار إلى الإسلام ، والعصاة إلى الطاعة ، ويكون كل واحد من هذه الأمور على منزلته من العلم والقدرة ، قال أهل العلم : وفرض الله بهذه الآية ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو من فروض الكفاية إذا قام به قائم سقط عن الغير ، وللزوم الأمر بالمعروف شروط ، منها أن يكون بمعروف لا بتخرق{[3397]} ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آمراً بمعروف ، فليكن أمره ذلك بمعروف ) {[3398]} ، ومنها أن لا يخاف الآمر أذى يصيبه ، فإن فعل مع ذلك فهو أعظم لأجره ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان »{[3399]} .

قال القاضي : والناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف على مراتب ، ففرض العلماء فيه تنبيه الحكام والولاة ، وحملهم على جادة العلم ، وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم ، ولهم هي اليد{[3400]} ، وفرض سائر الناس رفعه إلى الحكام والولاة بعد النهي عنه قولاً ، وهذا في المنكر الذي له دوام ، وأما إن رأى أحد نازلة بديهة من المنكر ، كالسلب والزنى ونحوه ، فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة ، ويحسن لكل مؤمن أن يحتمل في تغيير المنكر ، وإن ناله بعض الأذى ، ويؤيد هذا المنزع أن في قراءة عثمان بن عفان وابن مسعود وابن الزبير «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويستعينون بالله على ما أصابهم »{[3401]} ، فهذا وإن كان لم يثبت في المصحف ، ففيه إشارة إلى التعرض لما يصيب عقب الأمر والنهي ، كما هي في قوله تعالى :

{ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصابك }{[3402]} وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم }{[3403]} معناه إذا لم يقبل منكم ولم تقدروا على تغيير منكره ، وقال بعض العلماء : «المعروف » التوحيد ، و { المنكر } الكفر ، والآية نزلت في الجهاد .

قال الفقيه القاضي : ولا محالة أن التوحيد والكفر هما رأس الأمرين ، ولكن ما نزل عن قدر التوحيد والكفر ، يدخل في الآية ولا بد ، { المفلحون } الظافرون ببغيتهم ، وهذا وعد كريم .


[3395]:- من الآية (30) من سورة الحج.
[3396]:- البيت لأعشى باهلة وهو عامر بن الحارث الباهلي، شاعر جاهلي، والرغائب العطايا والنوفل: من ينفي الظلم من قومه، الزفر: السيد (اللسان: نفل).
[3397]:- التخرق: الاختلاق.
[3398]:- أخرجه البيهقي في الشعب بلفظ: (من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف) عن ابن عمرو وهو ضعيف. "الجامع الصغير 2/ 503".
[3399]:- أخرجه الإمام أحمد، ومسلم في صحيحه، والأربعة عن أبي سعيد الخدري. "الجامع الصغير 2/520".
[3400]:- الضمير في: (لهم) يعود على "الولاة"، و(هي) أي: السلطة، و(اليد) هي المذكورة في الحديث الشريف: (بيده).
[3401]:- هذه الزيادة ليست من القرآن –راجع القرطبي.
[3402]:- من الآية (17) من سورة لقمان.
[3403]:- من الآية (105) من سورة المائدة