تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

الآية 104 وقوله تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } قوله{[4195]} : { ولتكن منكم أمة } يحتمل أن يكون هذا خبرا في الحقيقة ، وإن كان في الظاهر أمرا ، فإن كان خبرا ففيه دلالة أن جماعة منهم إذا قاموا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سقط ذلك عن الآخرين ، لأنه فيه حرف التبعيض ، وهو قوله : { منكم أمة } الآية ، ويحتمل أن يكون على الأمر في الظاهر والحقيقة جميعا ، ويكون قوله : { منكم } صلة . فإن كان على هذا ففيه أن على كل أحد أن يأمر بالمعروف ، وينهي عن المنكر ، وذلك واجب ، كأنه قال : كونوا { خير أمة } { تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } [ الآية ]آل عمران : 110 ] لأنه ذكر جل وعلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آي كثيرة من كتابه ، منها هذا : { ولتكم منكم أمة } ومنها قوله : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر }{[4196]} [ آل عمران : 110 ] وذم من تركهما قوله : { وكانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } [ المائدة : 79 ] .

وروي عن عكرمة أن ابن عباس رضي الله عنه قال له : قد أعياني أن أعلم ما فعل بمن أمسك عن الوعظ ، فقلت : أنا أعلمك ذلك . اقرإ الآية التالية{[4197]} : { أنجينا الذين ينهون عن السوء } [ الأعراف : 165 ] قال لي : أصبت فاستدل ابن عباس رضي الله عنه بهذه الآية على أن الله أهلك من عمل السوء ، ومن لم ينه عنه من{[4198]} يعلمه ، فجعل ، والله أعلم ، الممسكين عن نهي الظالمين [ مع الظالمين ]{[4199]} في العذاب ، وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه [ أنه ]{[4200]} قال : ( يا أيها الناس إن كنتم تقرون هذه الآية : { يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } [ المائدة : 105 ] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب ) [ الترمذي 218 ] وعن جرير [ أنه ]{[4201]} قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الرجل ليكون في القوم ، ويعمل فيهم بمعاصي الرحمن ، وهم أكثر منه وأعز ، ولو شاؤوا أن يأخذوا على يده لأخذوا على يده ، فرهبوا له ، فيعذبهم الله به ) [ بنحوه ابن ماجه 4009 ] وعن حذيفة [ أنه ]{[4202]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، أو ليعمكم الله بعقاب من عنده ، ثم لتدعونه ، ولا يستجيب لكم ) [ الترمذي : 2169 ] وعن أبي سعيد الخدري [ أنه ]{[4203]} يذكر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى يقول : ما ينفعك إذا رأيت منكرا أن تنكره ، [ فإنه إذا لقي عبد ]{[4204]} حجته ، فقال : إي رب وثقت بك ، وفرقت من الناس ) [ ابن ماجه 4017 ] وعن أبي هريرة [ أنه ]{[4205]} قال : ( اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله أرأيت إن قلنا بالمعروف حتى لا يبقى من المعروف إلا ما علمنا به ، وانتهينا عن المنكر حتى لا يبقى أيسعنا ألا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر ؟ فقال : ( مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه ، ولا ينبغي للرجل أن يقول : لست ممن يعمل بالمعروف كله ، وينتهي عن المنكر كله ، فآمر غيري ، وأنهاه ، فإن فعله المعروف واجب عليه ، فلا يجب إذا قصر في واجب أن يقصر فير غيره ) [ بنحوه : طرفه الأول في الطبراني في الصغير 960 ] .


[4195]:في الأصل وم: وقوله.
[4196]:ساقطة من م.
[4197]:في الأصل وم: الثنية.
[4198]:من م، في الأصل وم: ممن.
[4199]:من م، ساقطة من الأصل.
[4200]:ساقطة من الأصل وم.
[4201]:ساقطة من الأصل وم.
[4202]:ساقطة من الأصل وم.
[4203]:ساقطة من الأصل وم.
[4204]:من مـ في الأصل: فإذا الله لقي عبدا.
[4205]:ساقطة من الأصل وم.