بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

{ وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ } فهذه لام الأمر كقوله : { قُلْ إنما أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لقاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } [ الكهف : 110 ] يعني لتكن منكم أمة .

قال الكلبي : يعني جماعة . وقال مقاتل : يعني عصبة وقال الزجاج ولتكونوا كلكم أمة واحدة تدعون إلى الخير و{ من } هاهنا لتخص المخاطبين من بين سائر الأجناس ، وهي مؤكدة كقوله تعالى : { ذلك وَمَن يُعَظِّمْ حرمات الله فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان واجتنبوا قَوْلَ الزور }

[ الحج : 30 ] وقوله : { يَدْعُونَ إِلَى الخير } يعني إلى الإسلام . ويقال : إلى جميع الخيرات { وَيَأْمُرُونَ بالمعروف } قال الكلبي : يعني بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم { وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر } يعني الجبت والطاغوت . ويقال : { المنكر } يعني العمل الذي بخلاف الكتاب والسنة . ويقال : ما لا يصلح في العقل .

وروي عن سفيان الثوري أنه قال إنما يجب النهي عن المنكر إذا فعل فعلاً يخرج عن الاختلاف ، أي اختلاف العلماء . ويقال : إنما أمر بعض الناس بقوله ، { وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ } ، ولم يأمر جميع الناس ، لأن كل واحد من الناس لا يحسن الأمر بالمعروف ، وإنما يجب على من يعلم . ويقال : إن الأمراء ، يجب عليهم الأمر والنهي باليد ، والعلماء باللسان ، والعوام بالقلب ، وهنا كما قال عليه الصلاة والسلام : « إذا رَأَى أَحَدٌ مُنْكَراً ، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وذلك أَضْعَفُ الإيمانِ »

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : بحسب امرئ إذا رأى منكراً ، لا يستطيع النكير أن يعلم الله من قلبه أنه كاره . وروي عن بعض الصحابة أنه قال : إن الرجل إذا رأى منكراً ، لا يستطيع النكير عليه ، فليقل ثلاث مرات : اللهم إِنَّ هذا منكر ، فإذا قال ذلك فقد فعل ما عليه .

ثم قال تعالى : { وأولئك هُمُ المفلحون } يعني الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر هم الناجون . ويقال : فازوا بالنعيم .