فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون104 ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم 105

) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) كلمة " من " للتبعيض وقيل لبيان الجنس ، وقيل للتبيين ، وقيل زائدة ورجح القرطبي الأول بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات يختص بأهل العلم الذين يعرفون كون ما يأمرون به معروفا ، وما ينهون عنه منكرا ، وقد عينهم الله سبحانه بقوله : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة ) الآية .

وروى ابن مردويه عن أبي جعفر الباقر صلى الله عليه وآله وسلم الخير إتباع القرآن وسنتي .

وعن أبي العالية قال : كل آية ذكرها الله في القرآن في الأمر بالمعروف فهو الإسلام ، والنهي عن المنكر ، فهو عبادة الأوثان والشيطان انتهى ، وهو تخصيص بغير مخصص ، فليس في لغة العرب ولا في عرف الشرع ما يدل على ذلك .

وقال مقاتل بن حيان يدعون إلى الإسلام ، ويأمرون بطاعة ربهم ، وينهون عن معصية ربهم ، وعن الضحاك في الآية قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وهم الرواة انتهى .

ولا أدري ما وجه هذا التخصيص ، فالخطاب في هذه الآية كالخطاب بسائر الأمور التي شرعها الله لعباده وكلفهم بها .

وفي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة ، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة ، وأصل عظيم من أصولها ، وركن مشيد من أركانها ، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها .

( ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) هذا من باب عطف الخاص على العام إظهارا لشرفهما وإنهما الفردان الكاملان من الخير الذي أمر الله به عباده بالدعاء إليه ، كما قيل في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة ، وحذف متعلق الأفعال الثلاثة أي يدعون ويأمرون وينهون لقصد التعميم أي كل من وقع منه سبب يقتضي ذلك ، والمعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه ، والمنكر ضد ذلك ، وهو ما عرف بالعقل والشرع قبحه .

( وأولئك ) إشارة إلى الأمة باعتبار اتصافها بما ذكر بعدها ( هم المفلحون ) أي المختصون بالفلاح الكاملون فيه الفائزون ، وتعريف المفلحين للعهد او للحقيقة التي يعرفها كل أحد .