الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ } أي ولتكونوا أُمة من صلة ، كقوله { فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ }

، [ الحج : 30 ] ولم يرد اجتناب رجس الأوثان وإنما فاجتنبوا الأوثان وإنها رجس . واللام في قوله { وَلْتَكُن } لام الأمر . { يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } : الإسلام { وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعنا ابن الزبير يقرأ : ( ولتكن منكم أُمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون على ما أصابهم ) . وروي مثله عن عثمان [ . . . . . . . . . . ] .

فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

روى حسان بن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه " .

وعن عبد الله بن عمر عن درة بنت أبي لهب قالت : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال : يا رسول الله من خير الناس ؟ قال : " أَأْمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأتقاهم لله تعالى ، وأوصلهم لأرحامه " " .

عن ابن عباس قال : قلنا : " يا رسول الله ، ما نعمل نأتمر بالمعروف حتى لا يبقى من المعروف شيء إلاّ ائتمرنا به ، وننتهي عن المنكر حتى لا يبقى من المنكر شيء إلاّ انتهينا عنه ، ولم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر ، فقال : " مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله " " .

الشعبي عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل الفاسق في القوم كمثل قوم ركبوا سفينة فاقتسموها فصار لكل إنسان منها نصيب فأخذ رجل منهم فأساً فجعل ينقر في موضعه ، وقال له أصحابه : أي شيء تصنع ، تريد أن تغرق وتغرقنا ؟ قال : هو مكاني ، فإن أخذوا على يده نجوا ونجا وإن تركوه غرق وغرقوا " .

وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : " أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشنآن الفاسقين ؛ فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق ، ومن شنأ المنافقين وغضب لله عز وجل غضب الله تعالى له " .

وقال أبو الدرداء : لتأمرنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجلّ كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو خياركم فلا يستجاب لهم ، ويستنصرون فلا ينصرون ، ويستغفرون فلا يغفر لهم .

وقال حذيفة اليماني : يأتي على الناس زمان لئن يكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر .

وقال الثوري : إذا كان الرجل مُحبّباً في جيرانه محموداً عند القوم فاعلم أنه مداهن .