فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

قوله : { وَلْتَكُن } قرأه الجمهور بإسكان اللام ، وقرئ بكسر اللام على الأصل ، و «من » في قوله : { منكُمْ } للتبعيض ، وقيل : لبيان الجنس . ورجح الأوّل بأن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر من فروض الكفايات يختص بأهل العلم الذين يعرفون كون ما يأمرون به معروفاً ، وينهون عنه منكراً . قال القرطبي : الأوّل أصح ، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر فرض على الكفاية ، وقد عينهم الله سبحانه بقوله : { الذين إِنْ مكناهم فِي الأرض } الآية [ الحج : 41 ] . وقرأ ابن الزبير : «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم » قال أبو بكر بن الأنباري : وهذه الزيادة تفسير من ابن الزبير ، وكلام من كلامه غلط فيه بعض الناقلين ، فألحقه بألفاظ القرآن . وقد روى أن عثمان قرأها كذلك ، ولكن لم يكتبها في مصحفه ، فدل على أنها ليست بقرآن . وفي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ووجوبه ثابت بالكتاب ، والسنة ، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة ، وأصل عظيم من أصولها ، وركن مشيد من أركانها ، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها . وقوله : { يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر } من باب عطف الخاص على العام ، إظهاراً لشرفهما ، وأنهما الفردان الكاملان من الخير الذي أمر الله عباده بالدعاء إليه ، كما قيل في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة ، وحذف متعلق الأفعال الثلاثة ، أي : يدعون ، ويأمرون ، وينهون لقصد التعميم ، أي : كل من وقع منه سبب يقتضي ذلك ، والإشارة في قوله : { وَأُوْلئِكَ } ترجع إلى الأمة باعتبار اتصافها بما ذكر بعدها { هُمُ المفلحون } أي : المختصون بالفلاح ، وتعريف المفلحين للعهد ، أو للحقيقة التي يعرفها كل أحد .

/خ109