وقوله تعالى : { وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير }[ آل عمران :104 ] .
أَمْرَ اللَّه سبحانه الأمَّةَ ، بأنْ يكونَ منْها علماءُ يَفْعَلُونَ هذه الأفعالَ على وجوهها ، ويحْفَظُونَ قوانينَها ، ويكون سائِرُ الأمَّة مُتَّبِعِينَ لأولئك ، إذ هذه الأفعالُ لا تكُونُ إلاَّ بعلْمٍ واسعٍ ، وقد عَلِمَ اللَّه سبحانه ، أنَّ الكُلَّ لا يكُونونَ علماء ، ( فمِنْ ) هنا : للتبعيضِ ، وهو تأويلُ الطبريِّ ، وغيره .
وذهب الزَّجَّاج وغيرُ واحدٍ ، إلى أنَّ المعنى : ولتكونوا كلُّكم أمةً يدْعُونَ ، و ( مِنْ ) : لبيانِ الجنْس ، ومعنى الآية على هذا : أمر الأمة بأنْ يَدْعُوا جميعَ العَالَمِ إلى الخَيْر ، فيَدْعُون الكُفَّار إلى الإسلامِ ، والعُصَاةَ إلى الطاعةِ ، ويكونُ كلُّ واحدٍ في هذه الأمور على منزلته من العلْمِ والقدرةِ ، وروى الليثُ بْنُ سَعْدٍ ، قال : حدَّثني محمَّدُ بْنُ عَجْلاَن ، أنَّ وَافِداً النَّضْرِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أنَّهُ قَالَ : ( لَيُؤْتَيَنَّ بِرِجَالٍ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ ، وَلاَ شُهَدَاءَ ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ ، لِمَنَازِلِهِمْ مِنَ اللَّهِ ، يَكُونُونَ على مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، قَالُوا : وَمَنْ هُمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : هُمُ الَّذِينَ يُحَبِّبُونَ اللَّهَ إلَى النَّاسِ ، وَيُحَبِّبُونَ النَّاسَ إلَى اللَّهِ ، وَيَمْشُونَ فِي الأَرْضِ نُصْحاً ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا يُحَبِّبُونَ اللَّهَ إلَى النَّاسِ ، فَكَيْفَ يُحَبِّبُونَ النَّاسَ إلَى اللَّهِ ؟ ! قَالَ : يَأْمُرُونَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ، فَإذَا أَطَاعُوهُمْ ، أَحَبَّهُمُ اللَّهُ تعالى ) اه ، من «التذكرة » للقرطبيِّ .
قال ( ع ) : قال أهْلُ العلْمِ : وفَرَضَ اللَّه سبحانه بهذه الآية الأَمْرَ بالمَعْرُوفِ ، والنَّهْيَ عن المُنْكَر ، وهو مِنْ فروضِ الكفاية ، إذا قام به قائمٌ سقَطَ عن الغَيْر ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رأى مِنْكُمْ مُنْكَراً ، فَلْيُغَيِّرهُ بِيَدِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَان ) والناسُ في الأمر بالمعروفِ وتغْييرِ المُنْكَرِ على مراتِبَ ، فَفَرْضُ العلماءِ فيه تنبيهُ الولاةِ ، وحَمْلُهُمْ على جَادَّة العلْمِ ، وفرضُ الولاةِ تَغْييره بقوَّتهم وسلطانِهِمْ ، ولهم هي اليَدُ ، وفَرْضُ سائر الناسِ رَفْعُهُ إلى الولاةِ والحُكَّام بعد النَّهْيِ عنه قولاً ، وهذا في المُنْكَرِ الذي له دَوَامٌ ، وأما إنْ رأى أحَدٌ نازلةٌ بديهيَّةً مِنَ المُنْكَرِ كالسَّلْبِ والزِّنَا ونحوه ، فيغيِّرها بنَفْسِهِ ، بحَسَب الحالِ والقدرةِ ، ويَحْسُنُ لكلِّ مؤمن أنْ يعتمل في تَغْيِيرِ المُنْكَرِ ، وإنْ ناله بَعْضُ الأذى ، ويؤيِّد هذا المَنْزَعَ أنَّ في قراءة عثمانَ ، وابْنِ مسْعودٍ ، وابنِ الزُّبَيْرِ ، : " يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ، [ وَيَسْتَعِينونَ اللَّهَ ] على مَا أَصَابَهُمْ " ، فهذا وإنْ لم يثبتْ في المُصْحَفِ ، ففيه إشارةٌ إلى التعرُّض لما يصيبِ عَقِيبَ الأمْر والنهْيِ ، كما هو في قوله : { وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَنِ المنكر واصبر على مَا أَصَابَكَ } [ لقمان : 17 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.