المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

86- وسار حتى وصل إلى مكان سحيق جهة الغرب ، فوجد الشمس - في رأى العين - تغرب في مكان به عين ذات ماء حار وطين أسود ، وبالقرب من هذه العين وجد ذو القرنين قوماً كافرين ، فألهمه الله أن يتخذ فيهم أحد أمرين : إما أن يدعُوهم إلى الإيمان ، وهذا أمر حسن في ذاته ، وإما أن يقاتلهم إن لم يجيبوا داعي الإيمان .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

قوله تعالى : { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة } ، قرأ أبو جعفر ، و أبو عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : { حامية } بالألف غير مهموزة أي : حارة ، وقرأ الآخرون : { حمئة } مهموزاً بغير الألف ، أي : ذات حمأة ، وهي الطينة السوداء . وسأل معاوية كعباً : كيف تجد في التوراة أن تغرب الشمس ؟ قال : نجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين . قال القتيبي : يجوز أن يكون معنى قوله في عين حمئة أي : عندها عين حمئة ، أو في رأي العين . { ووجد عندها قوماً } أي : عند العين أمة ، قال ابن جريج : مدينة لها اثنا عشر ألف باب ، لولا ضجيج أهلها لسمعت وجبة الشمس حين تجب . { قلنا يا ذا القرنين } ، يستدل بهذا من زعم أنه كان نبياً ، فإن الله تعالى خاطبه ، والأصح : أنه لم يكن نبياً ، والمراد منه : الإلهام . { إما أن تعذب } يعني : إما أن تقتلهم إن لم يدخلوا في الإسلام ، { وإما أن تتخذ فيهم حسناً } يعني : تعفو وتصفح وقيل : تأسرهم فتعلمهم الهدى . خيره الله بين الأمرين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

فأعطاه الله ، ما بلغ به مغرب الشمس ، حتى رأى الشمس في مرأى العين ، كأنها تغرب في عين حمئة ، أي : سوداء ، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء ، رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع ، ووجد عندها ، أي : عند مغربها قوما . { قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ْ } أي : إما أن تعذبهم بقتل ، أو ضرب ، أو أسر ونحوه ، وإما أن تحسن إليهم ، فخير بين الأمرين ، لأن الظاهر أنهم كفار أو فساق ، أو فيهم شيء من ذلك ، لأنهم لو كانوا مؤمنين غير فساق ، لم يرخص في تعذيبهم ، فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء ، لتوفيق الله له لذلك ، فقال : سأجعلهم قسمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

{ حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس } أى حتى إذا وصل إلى منتهى الأرض المعمورة فى زمنه من جهة المغرب .

{ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } أى : رآها فى نظره عند غروبها ، كأنها تغرب فى عين مظلمة ، وإن لم تكن هى فى الحقيقة كذلك .

وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس ماء فإنه يراها كأنها تشرق منه وتغرب فيه ، كما أن الذى يكون فى أرض ملساء واسعة ، يراها كأنها تطلع من الأرض وتغيب فيها .

وحمئة : أى : ذات حمأة وهى الطين الأسود . يقال : حمأَتِ البئر تَحمأُ حَمأً ، إذا صارت فيها الحمأَة وهى الطينة السوداء .

وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائى : { وجدها تغرب في عين حامية } أى : حارة . اسم فاعل من حَمِى يَحْمَى حَمْياً .

{ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } أى : ووجد عند تلك العين على ساحل البحر قوما .

الظاهر أن هؤلاء القوم كانوا من أهل الفترة ، فدعاهم ذو القرنين إلى عبادة الله - تعالى - وحده ، فيهم من آمن وفيهم من كفر ، فخيره الله - تعالى - فيهم فقال : { قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } .

أى : قال الله - تعالى - له عن طريق الالهام ، أو على لسان ملك أخبره بذلك : يا ذا القرنين إما أن تعذب هؤلاء القوم الكافرين أو الفاسقين بالقتل أو غيره ، وإما أن تتخذ فيهم أمراً ذا حسن ، أو أمرا حسنا ، تقتضيه المصلحة والسياسة الشرعية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

83

( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ، ووجد عندها قوما . قلنا : يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا . قال : أما من ظلم فسوف نعذبه ، ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا . وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ، وسنقول له من أمرنا يسرا ) .

ومغرب الشمس هو المكان الذي يرى الرائي أن الشمس تغرب عنده وراء الأفق . وهو يختلف بالنسبة للمواضع . فبعض المواضع يرى الرائي فيها أن الشمس تغرب خلف جبل . وفي بعض المواضع يرى أنها تغرب في الماء كما في المحيطات الواسعة والبحار . وفي بعض المواضع يرى أنها تغرب في الرمال إذا كان في صحراء مكشوفة على مد البصر . .

والظاهر من النص أن ذا القرنين غرب حتى وصل إلى نقطة على شاطيء المحيط الأطلسي - وكان يسمى بحر الظلمات ويظن أن اليابسة تنتهي عنده - فرأى الشمس تغرب فيه .

والأرجح أنه كان عند مصب أحد الأنهار . حيث تكثر الأعشاب ويتجمع حولها طين لزج هو الحمأ . وتوجد البرك وكأنها عيون الماء . . فرأى الشمس تغرب هناك و ( وجدها تغرب في عين حمئة ) . . ولكن يتعذر علينا تحديد المكان ، لأن النص لا يحدده . وليس لنا مصدر آخر موثوق به نعتمد عليه في تحديده . وكل قول غير هذا ليس مأمونا لأنه لا يستند إلى مصدر صحيح .

عند هذه الحمئة وجد ذو القرنين قوما : ( قلنا : يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) .

كيف قال الله هذا القول لذي القرنين ? أكان ذلك وحيا إليه أم إنه حكاية حال . إذ سلطه الله على القوم ، وترك له التصرف في أمرهم فكأنما قيل له : دونك وإياهم . فإما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ? كلا القولين ممكن ، ولا مانع من فهم النص على هذا الوجه أو ذاك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

القول في تركيب { حتى إذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ } كالقول في قوله : { حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } .

والعين : منبع ماء .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص { في عيننٍ حمئة مهموزاً مشتقاً من الحمأة ، وهو الطين الأسود . والمعنى : عين مختلط ماؤها بالحمأة فهو غير صاف .

وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ، وخلف : في عين حامية بألف بعد الحاء وياء بعد الميم ، أي حارة من الحمو وهو الحرارة ، أي أن ماءها سخن .

ويظهر أن هذه العين من عيون النفْط الواقعة على ساحل بحر الخزر حيث مدينة ( باكو ) ، وفيها منابع النفط الآن ولم يكن معروفاً يومئذ . والمؤرخون المسلمون يسمونها البلاد المنتنة .

وتنكير { قَوْماً } يؤذن بأنهم أمّة غير معروفة ولا مألوفة حالة عقائدهم وسيرتهم .

فجملة { قُلْنا ياذا القَرْنَيْنِ } استئناف بياني لما أشعر به تنكير { قَوْماً } من إثارة سؤال عن حالهم وعما لاقاه بهم ذو القرنين .

وقد دل قوله : { إمَّا أن تُعَذّبَ وإمَّا أن تَتَّخِذَ فِيهمْ حُسْناً } على أنهم مستحقون للعذاب ، فدلّ على أن أحوالهم كانت في فساد من كفر وفساد عمل .

وإسناد القول إلى ضمير الجلالة يحتمل أنه قول إلهام ، أي ألقينا في نفسه تردداً بين أن يبادر استيصالهم وأن يمهلهم ويدعوهم إلى الإيمان وحسن العمل ، ويكون قوله { قَالَ أمَّا مَن ظَلَمَ } ، أي قال في نفسه معتمداً على حالة وسط بين صورتي التردد .

وقيل : إن ذا القرنين كان نبيئاً يوحى عليه فيكون القول كلاماً موحىً به إليه يخيّره فيه بين الأمرين ، مثل التخيير الذي في قوله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } [ محمد : 4 ] ، ويكون قوله : { قَالَ أمَّا مَن ظَلَمَ } جواباً منه إلى ربّه . وقد أراد الله إظهار سداد اجتهاده كقوله : { ففهمناها سليمان } [ الأنبياء : 79 ] .

و { حُسْناً } مصدر . وعدل عن ( أن تحسن إليهم ) إلى { أن تَتَّخِذَ فِيهِم حُسناً } مبالغة في الإحسان إليهم حتى جعل كأنه اتّخذ فيهم نفس الحُسن ، مثل قوله تعالى : { وقولوا للناس حسناً } [ البقرة : 83 ] . وفي هذه المبالغة تلقين لاختيار أحد الأمرين المخير بينهما .

والظلم : الشرك ، بقرينة قسيمه في قوله { وأما من آمن وعمل صالحاً } .

واجتلاب حرف الاستقبال في قوله : { فَسَوْفَ نُعَذّبُهُ } يشير إلى أنه سيدعوه إلى الإيمان فإن أصرّ على الكفر يعذبه . وقد صرح بهذا المفهوم في قوله { وأمَّا مَن ءَامَنَ وعَمِلَ صالحا } أي آمن بعد كفره . ولا يجوز أن يكون المراد من هو مؤمن الآن ، لأن التخيير بين تعذيبهم واتخاذ الإمهال معهم يمنع أن يكون فيهم مؤمنون حين التخيير .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: حتى إذَا بَلَغَ ذو القرنين "مَغْرِبَ الشّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ"، فاختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء المدينة والبصرة: في عَيْنٍ حَمِئَةٍ بمعنى: أنها تغرب في عين ماء ذات حمأة، وقرأته جماعة من قراء المدينة، وعامّة قرّاء الكوفة: «في عَيْنٍ حَامِيَةٍ» يعني أنها تغرب في عين ماء حارّة.

واختلف أهل التأويل في تأويلهم ذلك على نحو اختلاف القرّاء في قراءته... عن ابن عباس "وَجَدَها تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ "قال: في طين أسود...

وقال آخرون: بل هي تغيب في عين حارّة...

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، ولكلّ واحدة منهما وجه صحيح ومعنى مفهوم، وكلا وجهيه غير مفسد أحدهما صاحبه، وذلك أنه جائز أن تكون الشمس تغرب في عين حارّة ذات حمأة وطين، فيكون القارئ في عين حامية بصفتها التي هي لها، وهي الحرارة، ويكون القارئ في عين حمئة واصفها بصفتها التي هي بها وهي أنها ذات حمأة وطين. وقد رُوي بكلا صيغتيها اللتين قلت إنهما من صفتيها أخبار...

وقوله: "وَوَجَدَ عَنْدَها قَوْما"... وقوله: "قُلْنا يا ذَا القَرْنَيْنِ إمّا أنْ تُعَذّبَ" يقول: إما أن تقتلهم إن هم لم يدخلوا في الإقرار بتوحيد الله، ويذعنوا لك بما تدعوهم إليه من طاعة ربهم. "وإمّا أنْ تَتّخِذَ فِيهِمْ حُسْنا" يقول: وإما أن تأسرهم فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}... فيها وجهان:

الثاني: أنه وجدها تَغرُب وراء العينِ حتى كأنها تَغيب في نفس الْعَيْن...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن المعنى أنه أراد بلوغ المغرب فأتبع سببا يوصله إليه حتى بلغه.

{وجدها تغرب في عين حمئة} ففيه مباحث:

...

...

...

البحث الثاني: أنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك، وأيضا قال: {ووجد عندها قوما} ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود، وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض، إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: {تغرب في عين حمئة} من وجوه:

الأول: أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر، هذا هو التأويل الذي ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره.

الثاني: أن للجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط البحر بها فالناظر إلى الشمس يتخيل كأنها تغيب في تلك البحار...

الثالث: قال أهل الأخبار: إن الشمس تغيب في عين كثيرة الماء والحمأة وهذا في غاية البعد، وذلك لأنا إذا رصدنا كسوفا قمريا فإذا اعتبرناه ورأينا أن المغربيين قالوا: حصل هذا الكسوف في أول الليل ورأينا المشرقيين قالوا: حصل في أول النهار فعلمنا أن أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد ووقت الظهر في بلد آخر، ووقت الضحوة في بلد ثالث. ووقت طلوع الشمس في بلد رابع، ونصف الليل في بلد خامس، وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء والاعتبار. وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال: إنها تغيب في الطين والحمأة كلاما على خلاف اليقين وكلام الله تعالى مبرأ عن هذه التهمة، فلم يبق إلا أن يصار إلى التأويل الذي ذكرناه.

{ووجد عندها قوما} الضمير في قوله عندها إلى ماذا يعود؟ فيه قولان:

الأول: أنه عائد إلى الشمس ويكون التأنيث للشمس لأن الإنسان لما تخيل أن الشمس تغرب هناك كان سكان هذا الموضع كأنهم سكنوا بالقرب من الشمس.

والقول الثاني: أن يكون الضمير عائدا إلى العين الحامية، وعلى هذا القول فالتأويل ما ذكرناه،

{قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا} وفيه مباحث:

الأول: أن قوله تعالى: {قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا} يدل على أنه تعالى تكلم معه من غير واسطة، وذلك يدل على أنه كان نبيا، وحمل هذا اللفظ على أن المراد أنه خاطبه على ألسنة بعض الأنبياء فهو عدول عن الظاهر.

البحث الثالث: قوله تعالى: {قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا} يدل على أن سكان آخر المغرب كانوا كفارا فخير الله ذا القرنين فيهم بين التعذيب لهم إن أقاموا على كفرهم وبين المن عليهم والعفو عنهم وهذا التخيير على معنى الاجتهاد في أصلح الأمرين كما خير نبيه عليه السلام بين المن على المشركين وبين قتلهم، وقال الأكثرون: هذا التعذيب هو القتل، وأما اتخاذ الحسنى فيهم فهو تركهم أحياء.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

رأى الشمسَ في مَنظَرِه تَغرُب في البحر المُحيط، وهذا شأنُ كلِّ مَن انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تَغرُب فيه...

{قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} معنى هذا: أن الله تعالى مَكَّنَه منهم وحَكَّمَه فيهم، وأَظْفَرَه بهم وخَيّرَه: إنْ شاء َقَتَل وسَبَى، وإنْ شاء مَنَّ أو فَدَى. فعرف عدْله وإيمانه فيما أبداه عدْلُه وبيانُه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... {و وَجَدَ عِنْدَها} أي على السّاحل المتّصِل بتلك العَيْنِ {قوماً} كفاراً لهم قوةٌ على ما يحاولونه ومَنَعَةٌ، فكأنه قيل: ماذا أُمِرَ فيهم؟ فأجيب بقوله: {قلنا} بمَظْهَر العظمة: {يا ذا القرنين} إعلاماً بقُرْبِه من الله وأنه لا يفعل إلا ما أَمَره به، إما بواسطة المَلَك إن كان نبياً وهو أظهر الاحتمالات،... أو باجتهاده في شريعته الاجتهادَ المُصيبَ، {إمّا أنْ تُعَذِّبَ}... {وإمّا أنْ تَتَّخِذَ} أي بغاية جُهْدِك {فيهم حُسْناً} أمراً له حُسْنٌ عظيمٌ، وذلك هو البَداءة بالدُّعاء، إشارةً إلى أن القتل وإن كان جائزاً فالأَوْلَى أن لا يُفعَل إلا بعد اليأس من الرجوع عن موجِبه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والظاهر من النص أن ذا القرنين غرب حتى وصل إلى نقطة على شاطئ المحيط الأطلسي -وكان يسمى بحر الظلمات ويظن أن اليابسة تنتهي عنده- فرأى الشمس تغرب فيه...

ولكن يتعذر علينا تحديد المكان، لأن النص لا يحدده. وليس لنا مصدر آخر موثوق به نعتمد عليه في تحديده. وكل قول غير هذا ليس مأمونا لأنه لا يستند إلى مصدر صحيح...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

اِتَّجَه في سَيْره إلى غرب بلاده أوّلاً، لأنها الأقاليم التي تُصاقِبُه، وإن الحاكِم العادلَ يُؤَمِّن أرضَه من جيرانه أوّلاً، ثم يتّجِه إلى ما بعدها شيئا فشيئا حتى يصل إلى أقصاها، وكذلك فَعَلَ، ولذا قال تعالى عنه: {حتى إذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ}...

وما المراد من هذه العين؟ المراد منها الماءُ، ولكن أهو ماءُ المحيطِ، أم البحرِ، أم هو ماء نهرٍ؟ الظاهِر لدي أنه ماءُ النهر، لا ماءُ محيطٍ، لأنه ذَكَر أنه عين، وماء العيون في أكثر أحواله ليس ماء ملحا، وإن كان فهو معدني إلى العذوبة أمْيَل، ولأنه ذكر أنها عينٌ حَمِئَةٌ، أي التي اختَلط ماؤها بطين، وتلك تكون في الأنهار لا في البحار. ومهما يكن فقد كان اتجاهُه ونهايتُه إلى الغرب من آسيا وأصْقابِها كبلاد البلغار، ونحوها...

{وإمّا أنْ تَتَّخِذَ فيهم حُسْناً}... والحسن هو ضد القبيح، واتخاذ الحسن معناه اتخاذ ما ليس بقبيحٍ في ذاته ولا يَستنكِرُه عُرْفٌ ولا عقلٌ، وهذا هو معنى الإحسان وهو الإتقان وفَضْلُ العدلِ وزيادتُه...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً} استطاع أن يسيطر عليهم بالقوة القاهرة التي كان يملكها، وأن يحكمها بالمنهج الذي يراه أساساً للحكم، ولكنه ليس المنهج الذي يتخذ السلطة وسيلةً للقهر أو لأخْذ المُحسِن بذنب المسيء، أو للعمل على خنق حريتهم ومُصادَرة إنسانيّتهم، كما يفعل الأقوياء. وهكذا واجه الخِيار الذي يقف أمامه في موقع الاختيار بين العذاب الذي يَسومُهم به، وبين العفو والتسامح والرحمة التي يعاملهم بها. وهذا هو ما يستوحيه من التعاليم الإلهية المُنزلة على الرسل الذين عاصَرهم، أو تَقدَّموا عليه، وذلك كما لو كان يستمع إلى كلام الله بشكلٍ مباشرٍ، لأن الإنسان الواعي المنفتح على الرسالة يواجِه كلام الله الذي يقرأه أو يسمعه، كما لو كان يَستمع إليه من ربه...