{ حتى إذا بلغ مغرب الشمس } أي نهاية الأرض من جهة المغرب وآخر العمارة منها لأن من وراء هذه النهاية البحر المحيط وهو لا يمكن المضي فيه فلما لم يبق قدامه شط بل مياه لا آخر لها { وجدها } أي رأى الشمس { تغرب في عين حمئة } أي كثيرة الحمأة وهي الطين السوداء يقال حمأت البئر حمأ بالتسكين إذا نزعت حمأتها وحمأت البئر حمأ بالتحريك كثرت حمأتها وقرئ حامية من الحمأة أي حارة وقد يجمع القراءتين فيقال كانت حارة وذات حمئة .
قال كعب : أما أنا فإني أجد في التوراة تغرب الشمس في ماء وطين ، وأشار بيده إلى المغرب وأنشد ابن أبي حاصر :
فرأى مغيب الشمس عند غروبها *** في عين ذي خلب وثاط حرمد
فقال ابن عباس : ما الخلب ؟ قال الطين بكلامهم ، قال فما الثاط ؟ قال الحمئة قال فما الحرمد ؟ قال الأسود ، فدعا ابن عباس غلاما فقال اكتب ما يقول هذا الرجل .
قيل ولعل ذي القرنين لما بلغ الساحل البحر المحيط رآها كذلك في نظره إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء . ولذلك قال { وجدها تغرب } ولم يقل كانت تغرب ، قاله البيضاوي ، يعني على العادة من أن الشخص إذا كان في البحر يرى الشمس كأنها تغرب فيه ، قيل وتسمية البحر المحيط عينا لا محذور فيه ، خصوصا وهو بالنسبة إلى ما هو أعظم منه في علم الله .
وفي القرطبي قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسها لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلصق بالأرض ، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض لأنها أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهتي المغرب والمشرق فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ؛ ولهذا قال { وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا } ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم ، بل أراد أنهم أول من تطلع عليه .
وقال القتيبي : ويجوز أن تكون هذه العين من البحر وتكون الشمس تغيب وراءها أو عندها أو معها فيقام حرف الصفة مقام صاحبه والله أعلم . اه .
أقول ولا يبعد أن يقال لا مانع من أن يمكنه الله من عبور البحر حتى يصل إلى تلك العين التي تغرب فيها الشمس ، وما المانع من هذا بعد أن حكى الله عنه أنه بلغ مشرق الشمس ومكن له في الأرض والبحر من جملتها ، ومجرد الاستبعاد لا يوجب حمل القرآن على خلاف ظاهره .
قال الكرخي : فالله تعالى قادر على تصغير جرم الشمس وتوسيع العين وكرة الأرض بحيث تسع عين الماء عين الشمس ، فلم لا يجوز ذلك وإن كنا لا نعلم به لقصور عقولنا عن الإحاطة بذلك ، وأيضا الأنبياء والحكماء لا يبعد أن يقع منهم مثل ذلك . ألا ترى إلى ظن موسى فيما أنكره على الخضر . اه .
{ ووجد عندها } أي عند العين أو الشمس { قوما } قيل هم قوم عراة لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لفظ البحر ، وكانوا كفارا ، قاله البيضاوي . ومن المعلوم أن الكفر إنما يتحقق بعد بعثة رسول وعدم إيمانهم به ، ولينظر أي رسول أرسل إلى هؤلاء حتى كفروا به .
هذا والأظهر أنهم كانوا أهل فترة لم يرسل إليهم أحد ، ولما جاءهم ذو القرنين دعاهم إلى ملة إبراهيم ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر ؛ فخيره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم فقال :
{ قلنا يا ذا القرنين } يستدل بها من يزعم أنه كان نبيا فإن الله خاطبه بالوحي ومن قال إنه لم يكن نبي أوّله بالإلهام ، ويحتمل أن يكون الخطاب على لسان نبي غيره { إما أن تعذب } إياهم بالقتل من أول الأمر { وإما أن تتخذ فيهم حسنا } أي أمرا ذا حسن أو أمرا حسنا مبالغة بجعل المصدر صفة للأمر ، والمراد دعوتهم إلى الحق وتعليمهم الشرائع ، قيل : وإما للتقسيم دون التخيير ، أي ليكن شأنك معهم إما التعذيب وإما الإحسان ، فالأول لمن أصرّ على الكفر والثاني لمن تاب منه والأول أولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.