الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

قوله : { حامِيَةٍ } : قرأ ابن عامر وأبو بكر والأخَوان بالألف وياءٍ ضريحة بعد الميم . والباقون دون ألفٍ وهمزة بعد الميم . فأمَّا القراءةُ الأولى فإنها اسمُ فاعلٍ مِنْ حَمِي يَحْمِي ، والمعنى : في عينٍ حارَّة . واختارها أبو عبيدٍ ، قال : " لأنَّ عليها جماعةً من الصحابة " وسمَّاهم . وأمَّا الثانيةُ فهي مِنَ الحَمْأةِ وهي الطينُ .

وكان ابنُ عباس عند معاويةَ . فقرأ معاويةُ " حاميةٍ " فقال ابن عباس : " حَمِئَةٍ " . فسأل معاويةُ ابنَ عمرَ كيف تقرأ ؟ فقال : كقراءةِ أمير المؤمنين . فبعث معاويةُ ، فسأل كعباً فقال : " أَجِدُها تغرُب في ماءٍ وطين " . فوافق ابن عباس . وكان رجلٌ حاضرٌ هناك فأنشد قولَ تُبَّع :

فرأى مغيبَ الشمسِ عند مآبِها *** في عينِ ذي خُلُبٍ وثَأْطٍ حَرْمِدِ

ولا تناقضَ بين القراءتينِ ؛ لأنَّ العينَ جامعةٌ بين الوصفين : الحرارةِ وكونِها مِنْ طين .

قوله : { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } يجوز في { أَن تُعَذِّبَ } الرفعُ على الابتداءِ ، والخبرُ محذوفٌ ، أي : إمَّا تعذيبُك واقعٌ ، أو الرفعُ على خبرٍ مبتدأ مضمرٍ ، أي : هو تعذيبُك . والنصبُ ، أي : إمَّا أَنْ تَفْعَلَ أَنْ تُعَذَّبَ .