مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمٗاۖ قُلۡنَا يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمۡ حُسۡنٗا} (86)

{ حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس } أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى الله عليه وسلم : « بدء أمره أنه وجد في الكتب أن أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين » { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة . { حامية } شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة . عن أبي ذر : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال : « أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه ؟ » قلت الله ورسوله أعلم . قال : « فإنها تغرب في عين حامية . » وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية { حامية } فقال : ابن عباس : حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمرو : كيف تقرؤها ؟ فقال : كما يقرأ أمير المؤمنين . ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب ؟ قال : في ماء وطين كذلك نجده في التوراة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا تنافي فجاز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعاً { وَوَجَدَ عِندَهَا } عند تلك العين { قَوْماً } عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفاراً { قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } إن كان نبياً فقد أوحى الله إليه بهذا وإلا فقد أوحي إلى نبي فأمره النبي به ، أو كان إلهاماً خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم وبين أن يتخذ فيهم حسناً بإكرامهم وتعليم الشرائع إن آمنوا ، أو التعذيب القتل وإتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل إحسان .