المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

59- ثم جاء بعد هؤلاء الأخيار أجيال علي غير هدْيهم تركوا الصلاة ، وأهملوا الانتفاع بِهدْيها ، وانهمكوا في المعاصي ، وسيلقى هؤلاء جزاء غيهم وضلالهم في الدنيا والآخرة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

قوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف } أي : من بعد النبيين المذكورين خلف ، وهم قوم سوء ، والخلف - بالفتح - الصالح - ، وبالجزم الطالح . قال السدي : أراد بهم اليهود ومن لحق بهم . وقال مجاهد و قتادة : هم في هذه الأمة . { أضاعوا الصلاة } ، تركوا الصلاة المفروضة . وقال ابن مسعود و إبراهيم : أخروها عن وقتها . وقال سعيد بن المسيب : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ، ولا العصر حتى تغرب الشمس . { واتبعوا الشهوات } ، أي : المعاصي ، وشرب الخمر ، يعني آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله . وقال مجاهد : هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة . { فسوف يلقون غياً } ، قال وهب : الغي نهر في جهنم ، بعيد قعره ، خبيث طعمه . وقال ابن عباس : الغي واد في جهنم ، وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره ، أعد للزاني المصر عليه ، ولشارب الخمر المدمن عليه ، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ، ولأهل العقوق ، ولشاهد الزور . ولامرأة أدخلت على زوجها ولدا . وقال عطاء : الغي : واد في جهنم يسيل قيحاً ودماً . وقال كعب : هو واد في جهنم أبعدها قعراً ، وأشدها حراً ، في بئر تسمى الهيم كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فيسعر بها جهنم .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا محمد بن أحمد الحارثي ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، وأنا عبد الله بن المبارك عز وجل هشيم بن بشير ، أنا زكريا بن أبي مريم الخزاعي ، قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفاً من حجر يهوي ، أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشروات عظام سمان ، فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد : هل تحت ذلك شيء يا أبا أمامة ؟ قال : نعم غي وآثام . وقال الضحاك : غياً وخسراناً . وقيل : هلاكاً . وقيل : عذاباً . وقوله : { فسوف يلقون غياً } ليس معناه يرون فقط ، بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية { إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

{ 59 - 63 } { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا }

لما ذكر تعالى هؤلاء الأنبياء المخلصون{[511]} المتبعون لمراضي ربهم ، المنيبون إليه ، ذكر من أتى بعدهم ، وبدلوا ما أمروا به ، وأنه خلف من بعدهم خلف ، رجعوا إلى الخلف والوراء ، فأضاعوا الصلاة التي أمروا بالمحافظة عليها وإقامتها ، فتهاونوا بها وضيعوها ، وإذا ضيعوا الصلاة التي هي عماد الدين ، وميزان الإيمان والإخلاص لرب العالمين ، التي هي آكد الأعمال ، وأفضل الخصال ، كانوا لما سواها من دينهم أضيع ، وله أرفض ، والسبب الداعي لذلك ، أنهم اتبعوا شهوات أنفسهم وإراداتها فصارت هممهم منصرفة إليها ، مقدمة لها على حقوق الله ، . فنشأ من ذلك التضييع لحقوقه ، والإقبال على شهوات أنفسهم ، مهما لاحت لهم ، حصلوها ، وعلى أي : وجه اتفقت تناولوها . { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } أي : عذابا مضاعفا شديدا .


[511]:- جعل الشيخ هذه الكلمات بالرفع، وجعل فوق كلمة (المخلصون) بخط صغير كلمة (قطع) وفي هذا إشارة إلى أنه من باب القطع في النعت فلما نص الشيخ - رحمه الله - على ذلك أبقيتها كما هي.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

ثم بين - سبحانه - ما حدث من الذين جاءوا بعد هؤلاء المنعم عليهم فقال : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } .

ولفظ ( الخلف ) بسكون اللام - الأولاد ، والواحد والجمع فيه سواء ، وأكثر ما يطلق على الأشرار والطالحين ، ومنه المثل السائر : " سكت ألفا ونطق خلفا " وقوله الشاعر :

ذهب الذين نعيش فى أكنافهم . . . وبقيت فى خلف كجلد الأجرب

والمراد بهذا اللفظ فى الآية : اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين الذين جاءوا بعد أبنيائهم ، ولكنهم خالفوا شريعتهم ، وأهملوا ما أمروهم به وما نهوهم عنه .

أما لفظ " الخلف " بفتح اللام - فيطلق على البدل ولدا كان أو غير ولد وأكثر استعمالاته فى المدح ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله . . " .

والمعنى : فخلف من بعد أولئك الأخيار الذين أنعم الله عليهم ، خلف سوء وشر ، ومن الأدلة على سوئهم وفجورهم أنهم { أَضَاعُواْ الصلاة } بأن تركوها ، أو لم يؤدوها على وجهها المشروع { واتبعوا الشهوات } التى جعلتهم ينهمكون فى المعاصى ، ويسارعون فى اقتراف المنكرات .

وقوله { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } بيان لسوء عاقبتهم ، أى : فسوف يلقى هؤلاء المضيعون للصلاة ، المتبعون للشهوات ، خسراناً وشراً فى دنياهم وآخرتهم ، بسبب ضلالهم وتنكيهم الصراط المستقيم .

فالمراد بالغىِّ : الخسران والضلال . يقال : غوى فلان يغوى إذ ضل . والاسم الغواية .

وقيل : المراد بالغى هنا : وادى فى جهنم تستعيذ من حره أوديتها . وقيل : هو نهر فى أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهلها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

خلف من بعدهم خلف ، بعيدون عن الله . ( أضاعوا الصلاة )فتركوها وجحدوها ( واتبعوا الشهوات )واستغرقوا فيها . فما أشد المفارقة ، وما أبعد الشبه بين أولئك وهؤلاء !

ومن ثم يتهدد السياق هؤلاء الذين خالفوا عن سيرة آبائهم الصالحين . يتهددهم بالضلال والهلاك : ( فسوف يلقون غيا )والغي الشرود والضلال ، وعاقبة الشرود والضياع والهلاك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصّلاَةَ وَاتّبَعُواْ الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } .

يقول تعالى ذكره : فحدث من بعد هؤلاء الذين ذكرت من الأنبياء الذين أنعمت عليهم ، ووصفت صفتهم في هذه السورة ، خلْف سوء خلفوهم في الأرض أضاعو الصلاة .

ثم اختلْف أهل التأويل في صفة إضاعتهم الصلاة ، فقال بعضهم : كانت إضاعتهموها تأخيرهم إياها عن مواقيتها ، وتضييعهم أوقاتها . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن سعد الكندي ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن موسى بن سليمان ، عن القاسم بن مخيمرة ، في قوله : فخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصّلاةَ قال : إنما أضاعوا المواقيت ، ولو كان تركا كان كفرا .

حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي ، قال : حدثنا الفريابي ، عن الأوزاعي ، عن القاسم بن مخيمرة ، نحوه .

حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : ثني الوليد بن مسلم ، عن أبي عمرو ، عن القاسم بن مخيمرة ، قال : أضاعوا المواقيت ، ولو تركوها لصاروا بتركها كفارا .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن القاسم ، نحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عيسى ، عن الأوزاعي ، عن إبراهيم بن يزيد ، أن عمر بن عبد العزيز بعث رجلاً إلى مصر لأمر أعجله للمسلمين ، فخرج إلى حرسه ، وقد كان تقدم إليهم أن لا يقوموا إذا رأوه ، قال : فأوسعوا له ، فجلس بينهم فقال : أيكم يعرف الرجل الذي بعثناه إلى مصر ؟ فقالوا : كلنا نعرفه ، قال : فليقم أحدثكم سنا ، فليدعه ، فأتاه الرسول فقال : لا تعجلني أشدّ عليّ ثيابي ، فأتاه فقال : إن اليوم الجمعة ، فلا تبرحن حتى تصلي ، وإنا بعثناك في أمر أعجله للمسلمين ، فلا يعجلنك ما بعثناك له أن تؤخر الصلاة عن ميقاتها ، فإنك مصليها لا محالة ، ثم قرأ : فخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصّلاةَ واتّبَعُوا الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا ثم قال : لم يكن إضاعتهم تركها ، ولكن أضاعوا الوقت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، والحسن بن مسعود ، عن ابن مسعود ، أنه قيل له : إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهمْ سَاهُونَ و عَلى صَلاَتِهمْ دَائِمُونَ و عَلى صَلاَتِهمْ يُحَافِظُونَ فقال ابن مسعود رضي الله عنه : على مواقيتها ، قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على الترك ، قال : ذاك الكفر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عمر أبو حفص الأبار ، عن منصور بن المعتمر ، قال : قال مسروق : لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس ، فيكتب من الغافلين ، وفي إفراطهنّ الهلكة ، وإفراطهنّ : إضاعتهنّ عن وقتهنّ .

وقال آخرون : بل كانت إضاعتهموها : تركها . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا أبو صخر ، عن القرظي ، أنه قال في هذه الاَية فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصّلاةَ واتّبَعُوا الشّهَوَاتِ يقول : تركوا الصلاة .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك عندي بتأويل الاَية ، قول من قال : أضعتموها تركهم إياها لدلالة قول الله تعالى ذكره بعده على أن ذلك كذلك ، وذلك قوله جلّ ثناؤه : إلاّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صَالِحا فلو كان الذين وصفهم بأنهم ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن ، وهم مؤمنون ولكنهم كانوا كفارا لا يصلون لله ، ولا يؤدّون له فريضة فسقة قد آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله ، وقد قيل : إن الذين وصفهم الله بهذه الصفة قوم من هذه الأمة يكونون في آخر الزمان .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن . قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصّلاة واتّبَعُوا الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا قال : عند قيام الساعة ، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة . قال محمد بن عمرو : زنا . وقال الحارث : زناة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله ، وقال : زنا ، كما قال ابن عمرو .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد وعطاء بن أبي رباح فخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ . . . الاَية ، قال : هم أمة محمد .

وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الأشيب ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي تميم بن مهاجر في قول الله : فخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصّلاة قال : هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق ، لا يخافون الله في السماء ، ولا يستحيون الناس في الأرض .

وأما قوله : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا فإنه يعني أن هؤلاء الخلْف الذين خلفوا بعد أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين سيدخلون غيا ، وهو اسم واد من أودية جهنم ، أو اسم بئر من آبارها ، كما :

حدثني عباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا محمد بن زياد بن رزان ، قال : حدثنا شرقي بن قطامي ، عن لقمان بن عامر الخزاعي ، قال : جئت أبا أمامة صديّ بن عجلان الباهلي ، فقلت : حدّثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعا بطعام ، ثم قال : قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «لَوْ أنّ صخْرَةً زِنَةَ عَشْرِ أوَاقٍ قُذِفَ بِها منْ شَفيرٍ جَهَنّمَ ما بَلَغَتْ قَعْرَها خَمْسينَ خَرِيفا ، ثُمّ تَنْتَهي إلى غَيَ وأثامٍ » ، قال : قُلْتُ وَما غيّ وَما أثامٌ ؟ قالَ : «بْئرَانِ في أسْفَلٍ جَهَنّمَ يَسِيلُ فِيهِما صَدِيدُ أهْلِ النّارِ ، وَهُما اللّتانِ ذَكَرَ اللّهُ فِي كِتابِهِ أضَاعُوا الصّلاةَ واتّبَعُوا الشّهَوَاتٍ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا ، وقوله في الفُرقان : وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يَلْقَ أثاما » .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عمرو بن عاصم ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا قال : واديا في جهنم .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا قال : واديا في النار .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الاَية فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا قال : نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر .

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن أبيه ، في قوله : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصّلاةَ واتّبَعُوا الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا قال : الغيّ : نهر جهنم في النار ، يعذّب فيه الذين اتبعوا الشهوات .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن أبيه ، في قوله فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضَاعُوا الصّلاةَ واتّبَعُوا الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا قال : الغيّ : نهر جهنم في النار ، يعذّب فيه الذين اتبعوا الشهوات .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله أضَاعُوا الصّلاةَ واتّبَعُوا الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا قال : نهر في النار يقذف فيه الذين اتبعوا الشهوات .

وقال آخرون : بل عنى بالغيٌ في هذا الموضع : الخسران . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا يقول : خسرانا .

وقال آخرون : بل عنى به الشرّ . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا قال : الغيّ : الشرّ ومنه قول الشاعر :

فمَنْ يَلْقَ خَيْرا يحْمَدِ الناسُ أمْرَهُ *** وَمَنْ يَغْوَ لا يَعْدَمْ على الغَيّ لائما

قال أبو جعفر : وكلّ هذه الأقوال متقاربات المعاني ، وذلك أن من ورد البئرين اللتين ذكرهما النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والوادي الذي ذكره ابن مسعود في جهنم ، فدخل ذلك ، فقد لاقى خسرانا وشرّا ، حسبه به شرّا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

{ فخلف من بعدهم خلف } فعقبهم وجاء بعدهم عقب سوء يقال خلف صدق بالفتح وخلف سوء بالسكون { أضاعوا الصلوة } تركوها أو أخروها عن وقتها . { واتبعوا الشهوات } كشرب الخمر واستحلال نكاح الأخت من الأب والإنهماك في المعاصي . وعن علي رضي الله تعالى عنه في قوله { واتبعوا الشهوات } . من بنى الشديد ، وركب المنظور ، ولبس المشهور . { فسوف يلقون غيا } شرا كقوله :

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره *** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

أو جزاء غي كقوله تعالى : { يلق أثاما } أو غيا عن طريق الجنة وقيل هو واد في جهنم يستعيذ منه أوديتها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

فرع على الثناء عليهم اعتبارٌ وتنديد بطائفة من ذرياتهم لم يقتدوا بصالح أسلافهم وهم المعني بالخَلْف .

والخلْف بسكون اللام عقب السُوء ، و بفتح اللام عقب الخير . وتقدم عند قوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب } في سورة الأعراف ( 169 ) .

وهو هنا يشمل جميع الأمم التي ضلّت لأنها راجعة في النّسب إلى إدريس جدّ نوح إذ هم من ذرية نوح ومن يرجع أيضاً إلى إبراهيم ، فمنهم من يدلي إليه من نسل إسماعيل وهم العرب . ومنهم من يدلي إليْه من نسل يعقوب وهم بنو إسرائيل .

ولفظ { من بعدهم } يشمل طبقات وقروناً كثيرة ، ليس قيداً لأنّ الخلف لا يكون إلاّ من بعد أصله وإنّما ذُكر لاستحضار ذهاب الصالحين .

والإضاعة : مجاز في التفريط بتشبيهه بإهمال العَرْض النفيس ، فرطوا في عبادة الله واتبعوا شهواتهم فلم يخالفوا ما تميل إليه أنفسهم ممّا هو فساد . وتقدم قوله تعالى : { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } في سورة الكهف ( 30 ) .

والصلاة : عبادة الله وحده .

وهذان وصفان جامعان لأصناف الكفر والفسوق ، فالشرك إضاعة للصلاة لأنّه انصراف عن الخضوع لله تعالى ، فالمشركون أضاعوا الصلاة تماماً ، قال تعالى : { قالوا لم نك من المصلّين } [ المدثر : 43 ] . والشرك : اتباع للشّهوات ، لأنّ المشركين اتّبعوا عبادة الأصنام لمجرد الشهوة من غير دليل ، وهؤلاء هم المقصود هنا ، وغير المشركين كاليهود والنصارى فَرطوا في صلوات واتبعوا شهوات ابتدعوها ، ويشمل ذلك كله اسم الغيّ .

والغيّ : الضلال ، ويطلق على الشرّ ، كما أطلق ضده وهو الرشَد على الخير في قوله تعالى : { أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً } [ الجنّ : 10 ] وقوله { قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً } [ الجنّ : 21 ] . فيجوز أن يكون المعنى فسوف يلقون جزاء غيّهم ، كقوله تعالى : { ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } [ الفرقان : 68 ] أي جزاء الآثام . وتقدم الغيّ في قوله تعالى : { وإخوانهم يمدونهم في الغي } وقوله { وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً } كلاهما في سورة الأعراف ( 202و 146 ) . وقرينة ذلك مقابلته في ضدهم بقوله { فأُولَئِكَ يدْخُلونَ الجنّة } .

وحرف ( سوف ) دال على أن لقاءهم الغيّ متكرر في أزمنة المستقبل مبالغة في وعيدهم وتحذيراً لهم من الإصرار على ذلك .