المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

16- وقال بعضهم لبعض : ما دمنا قد اعتزلنا القوم في كفرهم وشركهم فالجأوا إلى الكهف فراراً بدينكم ، يبسط لكم ربكم من مغفرته ، ويسهل لكم من أمركم ما تنتفعون به{[120]} من مرافق الحياة .


[120]:لم يمكن على وجه التحقيق معرفة أصحاب الكهف ولا زمانهم، ولا مكان الكهف الذي آوى إليه هؤلاء الفتية، ومع ذلك فلا بأس من القيام بمحاولة قد تلقى ضوءا ولو خافتا عليهم. ولما كان القرآن الكريم قد نص على أنهم فتية آمنوا ب ربهم: فلا بد أنهم وشعبهم قد تعرضوا لاضطهاد ديني رأى معه هؤلاء الفتية الاعتصام بالكهف. ويشير التاريخ (القديم) إلى وقوع اضطهادات دينية في الشرق القديم، حدثت في أوقات مختلفة، ونذكر فيما يلي اضطهادين قد يكون أحدهما مناسبا للمقام: أما أولهما: فقد حدث في عهد الملك السلوقي أنتيوخوس الرابع الملقب بنابيفانيس (حوالي 176 ـ 184 ق. م) فإنه اعتلى هذا الملك عرش سوريا ـ وكان مولعا أشد الولع بالثقافة الإغريقية وحضارتها ـ فرض على اليهود بفلسطين ـ وكانت في قبضة سوريا منذ عام 198 ق. م ـ التدين بديانة الإغريق وأبطل شريعتهم، ودنس "الهيكل" بوضعه تمثال زوس معبود الإغريق الأعظم على المذبح، وتقديم الخنازير ذبائح له، ثم إنه أحرق ما وجده من نسخ التوراة. ففي ضوء هذه الحقيقة التاريخية يبدو أن هؤلاء الفتية يهود، ويكون مكانهم في فلسطين عامة، أو في أورشليم ذاتها، ويكونون قد بعثوا حوالي عام 129 م إبان حكم الروم للشرق، أي قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم (حوالي 571 م) بأربعمائة وخمسة وأربعين عاما تقريبا. أما الاضطهاد الثاني: فقد حدث في عهد الإمبراطور الروماني هادريانوس (117 ـ 138) فهذا الإمبراطور قد فعل باليهود مثل ما فعل أنتيوخوس السالف الذكر تماما، وتفصيل ذلك أنه حدث في عهده أن أعلن اليهود العصيان على الإمبراطورية الرومانية (الروم) عام 132 م، فطردوا الحاميات الرومانية واستولوا على أورشليم، وصكوا نقودهم ذكرى لتحرير المدينة المقدسة، وقبضوا على زمام الأمور طوال ثلاث سنوات، وأخيرا تحرك هارديانوس وجيشه، وقمع الثورة، وأخضع فلسطين، واستعاد أورشليم، وقضى على القومية اليهودية قضاء تاما، وقد لاقى قوادها حتفهم، وبيع اليهود في سوق النخاسة، وكان من نتائج ذلك أن عطل هارديانوس الشعائر اليهودية، وأبطل تعاليم اليهود وقوانينهم. وفي ضوء هذه الحقيقة التاريخية يبدو أن هؤلاء الفتية يهود، ويكون مكانهم في أي مكان في الشرق القديم أو في أورشليم نفسها، ويكون قد بعثوا حوالي عام 435 م، أي قبل مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمائة وثلاثين عاما. ويبدو أن الاضطهاد الأول أكثر تلاؤما مع أصحاب الكهف، لأنه كان أشد قوة، أم الاضطهادات المسيحية فلا تتلاءم مع مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

ثم قال بعضهم لبعض : { وإذ اعتزلتموهم } يعني قومهم { وما يعبدون إلا الله } ، قرأ ابن مسعود وما تعبدون من دون الله وأما القراءة المعروفة فمعناها : أنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان ، يقولون : وإذ اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تعتزلوا عبادته { فأووا إلى الكهف } فالجأوا إليه { ينشر لكم } يبسط لكم { ربكم من رحمته ويهيئ لكم } يسهل لكم { من أمركم مرفقاً } أي : ما يعود إليه يسركم ورفقكم . قرأ أبو جعفر و نافع و ابن عامر مرفقاً بفتح الميم وكسر الفاء ، وقرأ الآخرون بكسر الميم وفتح الفاء ، ومعناهما واحد ، وهو ما يرتفق به الإنسان .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

{ 16 } { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا }

أي : قال بعضهم لبعض ، إذ حصل لكم اعتزال قومكم في أجسامكم وأديانكم ، فلم يبق إلا النجاء من شرهم ، والتسبب بالأسباب المفضية لذلك ، لأنهم لا سبيل لهم إلى قتالهم ، ولا بقائهم{[485]} بين أظهرهم ، وهم على غير دينهم ، { فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ } أي : انضموا إليه واختفوا فيه { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا } وفيما تقدم ، أخبر أنهم دعوه بقولهم { ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا } فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم ، والالتجاء إلى الله في صلاح أمرهم ، ودعائه بذلك ، وبين الثقة بالله أنه سيفعل ذلك ، لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته ، وهيأ لهم من أمرهم مرفقا ، فحفظ أديانهم وأبدانهم ، وجعلهم من آياته على خلقه ، ونشر لهم من الثناء الحسن ، ما هو من رحمته بهم ، ويسر لهم كل سبب ، حتى المحل الذي ناموا فيه ، كان على غاية ما يمكن من الصيانة ، ولهذا قال : { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا }


[485]:- في النسختين: ولا بقاؤهم.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما تناجوا به فيما بينهم ، بعد أن وضح موقفهم وضوحا صريحا حاسما ، وبعد أن أعلنوا كلمة التوحيد بصدق وقوة . . فقال - تعالى - : { وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله فَأْوُوا إِلَى الكهف يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } .

و " إذ " يبدو أنها هنا للتعليل . والاعتزال : تجنب الشئ سواء أكان هذا التجنب بالبدن أم بالقلب . و " ما " فى قوله { وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله } اسم موصول فى محل نصب معطوف على الضمير فى قوله { اعتزلتموهم } وقوله : { إلا الله } استثناء متصل ، بناء على أن القوم كانوا يعبدون الله - تعالى - ويشكرون معه فى العبادة الأصنام . و " من " قالوا إنها بمعنى البدلية .

وقوله : { مرفقاً } من الارتفاق : بمعنى الانتفاع ، وقرأ نافع وابن عامر مرفقا - بفتح الميم وكسر الفاء .