المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

إن تكفروا بنعمه - أيها الناس - فإن الله غنى عن إيمانكم وشكركم ، ولا يحب لعباده الكفر ، لما فيه من ضرهم ، وإن تشكروه على نعمه يرض هذا الشكر لكم ، ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ، ثم إلى ربكم مآلكم فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا ، إنه عليم بما تكتمه قلوبكم التي في الصدور .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

قوله تعالى : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر } قال ابن عباس ، والسدي : لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر ، وهم الذين قال الله تعالى :{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } ( الحجر-42 ) فيكون عاماً في اللفظ ، خاصاً في المعنى ، كقوله تعالى :{ عيناً يشرب بها عباد الله } ( الإنسان-6 ) يريد بعض العباد ، وأجراه قوم على العموم ، وقالوا : لا يرضى لأحد من عباده الكفر ، ومعنى الآية لا يرضى لعباده الكفر ، أن يكفروا به . يروى ذلك عن قتادة ، وهو قول السلف ، قالوا : كفر الكافر غير مرضي لله عز وجل ، وإن كان بإرادته { وإن تشكروا } تؤمنوا بربكم وتطيعوه { يرضه لكم } فيثيبكم عليه ؛ قرأ أبو عمرو : { يرضه } لكم ساكنة الهاء ، ويختلسها أهل المدينة ، وعاصم ، و حمزة ، والباقون بالإشباع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ مّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( إنْ تَكْفُرُوا فإنّ اللّهَ غَنيّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لعِبادِهِ الكُفْرَ ) فقال بعضهم : ذلك لخاص من الناس ، ومعناه : إن تكفروا أيها المشركون بالله ، فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى لعباده المؤمنين الذين أخلصهم لعبادته وطاعته الكفر . ذكر من قال ذلك : حدثني علي قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنْ تَكْفُرُوا فإنّ اللّهَ غَنِيٌ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبادِهِ الكُفْرَ ) : يعني الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ، فيقولوا : لا إله إلا الله ، ثم قال : وَلا يَرْضَى لِعِبادِهِ الكُفْرَ وهم عباده المخلصون الذين قال فيهم : إنّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهمْ سُلْطانٌ فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحَبّبها إليهم .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وَلا يَرْضَى لِعِبادِهِ الكُفْرَ ) : قال : لا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا .

وقال آخرون : بل ذلك عام لجميع الناس ، ومعناه : أيها الناس إن تكفروا ، فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى لكم أن تكفروا به .

والصواب من القول في ذلك ما قال الله جلّ وعزّ : إن تكفروا بالله أيها الكفار به ، فإن غنيّ عن إيمانكم وعبادتكم إياه ، ولا يرضى لعباده الكفر ، بمعنى : ولا يرضى لعباده أن يكفروا به ، كما يقال : لست أحب الظلم ، وإن أحببت أن يظلم فلان فلانا فيعاقب .

وقوله : ( وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) : يقول : وإن تؤمنوا بربكم وتطيعوه يرض شكركم له ، وذلك هو إيمانهم به وطاعتهم إياه ، فكنى عن الشكر ولم يُذْكر ، وإنما ذكر الفعل الدالّ عليه ، وذلك نظير قوله : ( الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمانا ) بمعنى : فزادهم قول الناس لهم ذلك إيمانا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) : قال : إن تطيعوا يرضه لكم .

وقوله : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) : يقول : لا تأثم آثمة إثم آثمة أخرى غيرها ، ولا تؤاخذ إلا بإثم نفسها ، يُعْلِم عزّ وجلّ عباده أن على كلّ نفس ما جنت ، وأنها لا تؤاخذ بذنب غيرها . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( وَلا تَزرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) : قال : لا يؤخذ أحد بذنب أحد .

وقوله : ( ثُمّ إلى رَبّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) : يقول تعالى ذكره : ثم بعد اجتراحكم في الدنيا ما اجترحتم من صالح وسيىء ، وإيمان وكفر أيها الناس ، إلى ربكم مصيركم من بعد وفاتكم ، فينبئكم يقول : فيخبركم بما كنتم في الدنيا تعملونه من خير وشرّ ، فيجازيكم على كلّ ذلك جزاءكم ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بما يستحقه يقول عزّ وجلّ لعباده : فاتقوا أن تلقوا ربكم وقد عملتم في الدنيا بما لا يرضاه منكم تهلكوا ، فإنه لا يخفى عليه عمل عامل منكم .

وقوله : إنّهُ عَلِيمٌ بذاتِ الصّدُورِ يقول تعالى ذكره : إن الله لا يخفى عليه ما أضمرته صدوركم أيها الناس مما لا تُدركه أعينكم ، فكيف بما أدركته العيون ورأته الأبصار . وإنما يعني جلّ وعزّ بذلك الخبر عن أنه لا يخفى عليه شيء ، وأنه مُحصٍ على عباده أعمالهم ، ليجازيهم بها كي يتقوه في سرّ أمورهم وعلانيتها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

قال ابن عباس : هذه الآية مخاطبة للكفار الذي لم يرد الله أن يطهر قلوبهم . و «عباده » : هم المؤمنون .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن تكون مخاطبة لجميع الناس ، لأن الله تعالى غني عن جميع الناس وهم فقراء إليه ، وبين بعد البشر عن رضى الله إن كفروا بقوله : { إن تكفروا } .

واختلف المتأولون من أهل السنة في تأويل قوله : { ولا يرضى لعباده الكفر } فقالت فرقة : الرضى بمعنى الإرادة واللام ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن قضى الله له بالإيمان وحتمه له : و «عباده » على هذا ملائكته ومؤمنو البشر والجن ، وهذا يتركب على قول ابن عباس . وقالت فرقة : الكلام عموم صحيح ، والكفر يقع ممن يقع بإرادة الله ، إلا أنه بعد وقوعه لا يرضاه ديناً لهم ، فهذا يتركب على الاحتمال الذي تقدمك آنفاً . ومعنى : لا يرضاه لا يشكره لهم ولا يثيبهم به خيراً ، فالرضى على هذا هو صفة فعل لمعنى القبول ونحوه . وتأمل الإرادة فإنها حقيقة ، إنما هي فيما لم يقع بعد ، والرضى ، فإنما حقيقة فيما قد وقع ، واعتبر هذا في آيات القرآن تجده ، وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوز هذا بدل هذا .

وقوله تعالى : { وإن تشكروا يرضه لكم } عموم ، والشكر الحقيقي في ضمنه الإيمان .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الكسائي : «يرضهُ » بضمة على الهاء مشبعة . وقرأ ابن عامر وعاصم «يرضه » بضمة على الهاء غير مشبعة ، واختلف عن نافع وأبي عمرو . وقرأ عاصم في رواية أبي بكر : «يرضهْ » بسكون الهاء ، قال أبو حاتم : وهو غلط لا يجوز ، قال تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا يحمل أحد ذنب أحد ، وأنث «الوازرة » و «الأخرى » لأنه أراد الأنفس . والوزر الثقل ، وهذا خبر مضمنه الحض على أن ينظر كل أحد في خاصة أمره وما ينوبه في ذاته .

ثم أخبرهم تعالى بأن مرجعهم في الآخرة إلى ربهم ، أي إلى ثوابه أو عقابه ، فيوقف كل أحد على أعماله ، لأنه المطلع على نيات الصدور وسائر الأفئدة . و «ذات الصدور » : ما فيه من خبيئة ، ومنه قولهم : الذيب مغبوط بذي بطنه .