تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

قوله تعالى : { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ } أي إن تكفروا دين الإسلام ، ولم تسلموا ، فإنه لا يقبل منكم دينا آخر { وإن تشكروا يرضه } أي وإن تسلموا { يرضه لكم } أي يقبل منكم كقوله : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } [ آل عمران : 85 ] . وقال غيره : أي إن تكفروا دينه فإن الله غني عن عبادتكم ، { وإن تشكروا } أي تكفروا دينه فإن الله غني عن عبادتكم ، { وإن تشكروا } أي توحدوه { يرضه لكم } وهو قريب من الأول .

وجائز أن يكون قوله : { إن تكفروا } النعم التي عدها عليكم في ما تقدم ذكرها من قوله : { خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار } [ الزمر : 5 ] .

وقوله تعالى : { وأنزل لكم من الأنعام } إلى آخر ما ذكر من النعم . يقول : { إن تكفروا } هذه النعم التي عدها عليكم فإنه غني عنكم ، وإن تشكروا ما عد عليكم من النعم يقبل ذلك منكم ، والله أعلم .

وأصله أن الله عز وجل بين سبيل الهدى ، ورغبهم إليه ، وبين سبيل الضلال ، وحذرهم منه ، ثم بين أن من سلك سبيل الهدى فله كذا ، ومن سلك سبيل الضلال فله كذا ، أو يقول : إن من سلك سبيل الهدى يرض لنفسه عاقبة السبيل الذي سلك فيه كقوله عز وجل : { وجوه يومئذ ناعمة } { لسعيها راضية } [ الغاشية : 8 و9 ] ومن سلك سبيل الضلال والكفر يمقت ذلك السبيل في العاقبة كقوله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [ غافر : 10 ] أخبر أنهم يمقتون أنفسهم إذا نودوا ، وعرفوا أنهم أخطأوا الطريق ، وبالله العصمة .

وذكر في حرف ابن مسعود : والله يكره لعباده الكفر ، وقوله : { وإن تشكروا } يرض عنكم . وكذلك ذكر في حرف أبي وحفصة خاصة .

وأصل قوله : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم } إخبار أنه لم يأمركم في ما أمركم به ، ولا نهاكم عما نهاكم عنه لحاجة نفسه أو لمنفعة له في ذلك . ولكن إنما امتحنكم بما امتحنكم لحاجة أنفسكم ولمنفعتكم ولدفع الضرر عنكم . وكذلك ما أنشأ من الأشياء لم ينشئها لحاجة نفسه أو لمنفعة له ، ولكن إنما أنشأها لكم ولمنافعكم . وكذلك لم ينشئها لأنفسها حتى إذا أتلف شيئا عوضها لها على ما تقول المعتزلة : أن ليس لله أن يتلفها إلا أن يعوضها بإزاء ذلك ، ولكن أنشأها وليس لهم تعويض إن أتلف الله شيئا منها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ذكر هذا ، والله أعلم ، لوجهين :

أحدهما : جواب لقولهم حين قال عز وجل : { وَقَالَ للَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } الآية [ العنكبوت : 12 ] أخبر أن لا أحد يحمل وزر آخر ، ولكن يحمل وزر نفسه .

والثاني : يخبر أن أمر الآخرة على خلاف أمر الدنيا ، لأن في الدنيا قد يحمل بعض آثام بعض ، فأما في الآخرة فإنه لا يحمل أحد وزر آخر ولا آثامه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ثم إلى ربكم مرجعكم } خص البعث بالرجوع إليه مرة وبالمصير ثانيا والبروز له ونحو ذلك ، وإن كانوا في جميع الأحوال راجعين إليه صائرين لأن المقصود من إنشائهم في هذه الدنيا ذلك البعث ، فخص لذلك الرجوع إليه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنه عليم بذات الصدور } قال أهل التأويل : { إنه عليم } بما في الصدور . وعندنا : { إنه عليم } بكل ما يصدر من الخير والشر . وذكر { بذات الصدور } لأن أصحاب الصدور ، هم يصدرون ، ويظنون في صدورهم .