الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

وقوله سبحانه : { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنكُمْ } الآية ، قال ابنُ عباس : هذه الآيةُ مخاطبَةٌ للكفارِ ، قال ( ع ) : وتحتملُ أن تكونَ مخاطبةً لجميع الناس ، لأن اللَّهَ سبحانه غنيٌّ عَن جميعِ الناسِ ، وهم فقراءُ إليه ، واخْتَلَفَ المتأولونَ مِن أهْلِ السنةِ في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر } فقالت فرقة : الرِّضى بمعنى الإرادَةِ ، والكلامُ ظاهرُه العمومُ ، ومعناه الخصوصُ فيمن قَضَى اللَّهُ له بالإيمان ، وحتَّمَهُ له ، فعبادُه على هذا ملائكتُهُ ومؤمِنو الإنْسِ والجِنِّ ، وهذا يتركَّبُ على قول ابن عباس ، وقالت فرقة : الكلامُ عُمُومٌ صحيحٌ ، والكُفْرُ يقعُ مِمَّنْ يَقَعُ بإرادَةِ اللَّهِ تعالى ، إلا أنه بَعْدَ وُقُوعِهِ لاَ يَرْضَاهُ دِيناً لهم ، ومعنى لا يرضاه : لا يشكرُه لهُمْ ، ولا يُثيبُهم بهِ خَيْراً ، فالرضا : على هذا هو صفةُ فِعْلٍ بمعنى ، القَبُولِ ، ونحوِه ، وتأمَّلِ الإرَادَةَ فإنما هي حقيقةٌ فيما لَمْ يَقَعْ بَعْدُ ، والرِّضا ؛ فإنما هُو حقيقةٌ فِيمَا قَدْ وَقَعَ ، واعْتَبِرْ هذا في آيات القرآن تجِدْهُ ، وإنْ كانت العربُ قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوُّز هذا بَدَلَ هذا .

وقوله تعالى : { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } عمومٌ ، والشكرُ الحقيقيُّ في ضِمْنِهِ الإيمانُ ، قال النوويُّ : وَرُوِّينَا في سُنَنِ أبي دَاوُدَ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ ، أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " من قال : رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبّاً وبِالإسْلاَمِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً ، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة " انتهى .