المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

قال ابن عباس : هذه الآية مخاطبة للكفار الذي لم يرد الله أن يطهر قلوبهم . و «عباده » : هم المؤمنون .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن تكون مخاطبة لجميع الناس ، لأن الله تعالى غني عن جميع الناس وهم فقراء إليه ، وبين بعد البشر عن رضى الله إن كفروا بقوله : { إن تكفروا } .

واختلف المتأولون من أهل السنة في تأويل قوله : { ولا يرضى لعباده الكفر } فقالت فرقة : الرضى بمعنى الإرادة واللام ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن قضى الله له بالإيمان وحتمه له : و «عباده » على هذا ملائكته ومؤمنو البشر والجن ، وهذا يتركب على قول ابن عباس . وقالت فرقة : الكلام عموم صحيح ، والكفر يقع ممن يقع بإرادة الله ، إلا أنه بعد وقوعه لا يرضاه ديناً لهم ، فهذا يتركب على الاحتمال الذي تقدمك آنفاً . ومعنى : لا يرضاه لا يشكره لهم ولا يثيبهم به خيراً ، فالرضى على هذا هو صفة فعل لمعنى القبول ونحوه . وتأمل الإرادة فإنها حقيقة ، إنما هي فيما لم يقع بعد ، والرضى ، فإنما حقيقة فيما قد وقع ، واعتبر هذا في آيات القرآن تجده ، وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوز هذا بدل هذا .

وقوله تعالى : { وإن تشكروا يرضه لكم } عموم ، والشكر الحقيقي في ضمنه الإيمان .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الكسائي : «يرضهُ » بضمة على الهاء مشبعة . وقرأ ابن عامر وعاصم «يرضه » بضمة على الهاء غير مشبعة ، واختلف عن نافع وأبي عمرو . وقرأ عاصم في رواية أبي بكر : «يرضهْ » بسكون الهاء ، قال أبو حاتم : وهو غلط لا يجوز ، قال تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا يحمل أحد ذنب أحد ، وأنث «الوازرة » و «الأخرى » لأنه أراد الأنفس . والوزر الثقل ، وهذا خبر مضمنه الحض على أن ينظر كل أحد في خاصة أمره وما ينوبه في ذاته .

ثم أخبرهم تعالى بأن مرجعهم في الآخرة إلى ربهم ، أي إلى ثوابه أو عقابه ، فيوقف كل أحد على أعماله ، لأنه المطلع على نيات الصدور وسائر الأفئدة . و «ذات الصدور » : ما فيه من خبيئة ، ومنه قولهم : الذيب مغبوط بذي بطنه .