قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* يسأله من في السماوات والأرض } من ملك وإنس وجن . وقال قتادة : معناه لا يستغني عنه أهل السماء والأرض . قال ابن عباس : فأهل السماوات يسألونه المغفرة ، وأهل الأرض يسألونه الرزق والتوبة والمغفرة . وقال مقاتل : يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة ، وتسأله الملائكة أيضاً لهم الرزق والمغفرة . { كل يوم هو في شأن } قال مقاتل : نزلت في اليهود حين قالوا إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا . قال المفسرون : من شأنه أن يحيي ويميت ، ويرزق ، ويعز قوماً ، ويذل قوماً ، ويشفي مريضاً ، ويفك عانياً ويفرج مكروباً ، ويجيب داعياً ، ويعطي سائلاً ، ويغفر ذنباً إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء . أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس المزكي إملاءًه ، أنبأنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى البزار ، أنبأنا يحيى بن الربيع المكي ، أنبأنا سفيان بن عيينة ، أنبأنا أبو حمزة اليماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إن مما خلق الله عز وجل لوحاً من درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ، ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة ، يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء ، فذلك قوله : { كل يوم هو في شأن } . قال سفيان بن عيينة : الدهر كله عند الله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة ، فالشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة الدنيا : الإختبار بالأمر والنهي ، والإحياء والإماتة ، والإعطاء والمنع ، وشأن يوم القيامة : الجزاء والحساب ، والثواب والعقاب . وقيل : شأنه جل ذكره أنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر ، عسكراً من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ، وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا ، وعسكراً من الدنيا إلى القبور ، ثم يرتحلون جميعاً إلى الله عز وجل . قال الحسين بن الفضل : هو سوق المقادير إلى المواقيت . وقال أبو سليمان الداراني في هذه الآية : كل يوم له إلى العبيد بر جديد .
وقوله - تعالى - : { يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } بيان لغناه المطلق عن غيره ، واحتياج غيره إليه .
والمراد باليوم هنا : مطلق الوقت مهما قل زمنه ، والشأن : الأمر العظيم ، والحدث الهام . .
أى : أنه - سبحانه - يسأهل من فى السموات والأرض ، سؤال المحتاج إلى رزقه ، وفضله ، وستره ، وعافيته . . . وهو - عز وجل - فى كل وقت من الأوقات ، وفى كل لحظة من اللحظات ، فى شأن عظيم . وأمر جليل ، حيث يحدث ما يحدث من أحوال فى هذا الكون ، فيحيى ويميت ، ويعز ويذل ، ويغنى ويفقر ، ويشفى ويمرض . . . دون أن يشغله شأن عن شأن . .
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } أى : كل وقت من الأوقات ، هو فى شأن من الشئون ، التى من جملتها إعطاء ما سألوا . فإنه - تعالى - لا يزال ينشىء أشخاصا ، ويفنى آخرين ، ويأتى بأحوال ، ويذهب بأحوال ، حسبما تقتضيه إرادته المبنية على الحكم البالغة . . .
أخرج البخارى فى تاريخ ، وابن ماجه ، وجماعة عن ابى الدرداء ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى هذه الآية : " من شأنه : أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، و يخفض آخرين " .
وسأل بعضهم أحد الحكماء ، عن كيفية الجمع بين هذه الآية ، وبين ما صح من أن القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فقال : " شئون يبديها لا شئون يبتديها " .
وانتصب " كل يوم " على الظرفية ، والعامل فيه هو العامل فى قوله - تعالى - : { فِي شَأْنٍ } وهو ثابت المحذوف ، فكأنه قيل : هو ثابت فى شأن كل يوم .
وقوله : { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات ، وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم ، وأنه كل يوم هو في شأن .
قال الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } ، قال : من شأنه أن يجيب داعيا ، أو يعطي سائلا أو يفك عانيا ، أو يشفي سقيما .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كل يوم هو يجيب داعيا ، ويكشف كربا ، ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا .
وقال قتادة : لا يستغني عنه أهل السموات والأرض ، يحيي حيا ، ويميت ميتا ، ويربي صغيرا ، ويفك أسيرا ، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ، ومنتهى شكواهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان الحِمْصيّ ، حدثنا حرير بن عثمان ، عن سُوَيْد بن جبلة - هو الفزاري - قال : إن ربكم كل يوم هو في شأن ، فيعتق رقابا ، ويعطي رغابا ، ويقحم عقابا .
وقال ابن جرير : حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغُزّي ، حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثني عمرو بن بكر السَّكْسكي {[27871]} ، حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ، عن أبيه ، عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي ، عن أبيه قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } ، فقلنا : يا رسول الله ، وما ذاك الشأن ؟ قال : " أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين{[27872]} " {[27873]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، وسليمان بن أحمد الواسطي قالا حدثنا الوزير {[27874]} بن صَبِيح الثقفي أبو روح الدمشقي - والسياق لهشام - قال : سمعت يونس بن ميسرة بن حَلْبَس ، يحدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } قال : " من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين {[27875]} " {[27876]} .
وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة ، عن هشام بن عمار ، به . ثم ساقه من حديث أبي همام الوليد بن شجاع ، عن الوزير بن صَبِيح قال : ودلنا عليه الوليد بن مسلم ، عن مُطرِّف ، عن الشعبي ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . قال : والصحيح الأول . يعني إسناده الأول{[27877]} .
قلت : وقد روي موقوفا ، كما{[27878]} علقه البخاري بصيغة الجزم ، فجعله من كلام أبي الدرداء {[27879]} ، فالله أعلم .
وقال البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن الحارث ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن أبيه عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } ، قال : " يغفر ذنبا ، ويكشف كربا " {[27880]} .
ثم قال ابن جرير : وحدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي حمزة الثُّمَالي ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس ، أن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء ، دفّتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، عرضه ما بين السماء والأرض ، ينظر فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة ، يخلق في كل نظرة ، ويحيي ويميت ، ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء{[27881]} .
يسأله من في السموات والأرض فإنهم مفتقرون إليه في ذواتهم وصفاتهم وسائر ما يهمهم ويعن لهم المراد بالسؤال ما يدل على الحاجة إلى تحصيل الشيء في ذواتهم وصفاتهم نطقا كان أو غيره كل يوم هو في شأن كل وقت يحدث أشخاصا ويحدد أحوالا على ما سبق به قضاؤه وفي الحديث من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين وهو رد لقول اليهود إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا .
قوله : { يسأله } يحتمل أن يكون في موضع الحال من الوجه ، والعامل فيه { يبقى } [ الرحمن : 27 ] أي هو دائم في هذه الحال ، ويحتمل أن يكون فعلاً مستأنفاً إخراباً مجرداً . والمعنى أن كل مخلوق من الأشياء فهو في قوامه وتماسكه ورزقه إن كان مما يرزق بحال حاجة إلى الله تعالى ، فمن كان يسأل بنطق فالأمر فيه بين ، ومن كان من غير ذلك فحاله تقتضي السؤال ، فأسند فعل السؤال إليه .
وقوله : { كل يوم هو في شأن } أي يظهر شأن من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماتة ورفعة وخفض ، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو تعالى . والشأن : اسم جنس للأمور . قال الحسين بن الفضل : معنى الآية ، سوق المقادير إلى المواقيت . وورد في بعض الأحاديث ، «إن الله تعالى له كل يوم في اللوح المحفوظ ثلاثمائة وستون نظرة ، يعز فيها ويذل ، ويحيي ويميت ، ويغني ويعدم إلى غير ذلك من الأشياء ، لا إله إلا هو » . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقيل له ما هذا الشأن يا رسول الله ؟ قال : ( يغفر ذنباً ، ويفرج كرباً ، ويرفع ويضع ){[10825]} .
وذكر النقاش أن سبب هذه الآية قول اليهود : إن الله استراح يوم السبت ، فلا ينفذ فيه شيئاً .
{ يَسْأَلُهُ مَن فِى السماوات والأرْض } .
استئناف ، والمعنى أن الناس تنقرض منهم أجيال وتبقى أجيال وكلُ باققٍ محتاج إلى أسباب بقائه وصلاح أحواله فهم في حاجة إلى الذي لا يفنى وهو غير محتاج إليهم . ولما أفضى الإِخبار إلى حاجة الناس إليه تعالى أتبع بأن الاحتياج عام أهل الأرض وأهل السماء . فالجميع يسألونه ، فسؤال أهل السماوات وهم الملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ويسألون رضى الله تعالى ، ومَنْ في الأرض وهم البشر يسألونه نعم الحياة والنجاة في الآخرة ورفع الدرجات في الآخرة . وحذف مفعول { يسئله } لإِفادة التعميم ، أي يسألونه حوائجهم ومهامهم من طلوع الشمس إلى غروبها .
{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَانٍ } .
يجوز أن تكون الجملة حالاً من ضمير النصب في { يسئله } أو تذييلاً لجملة { يسئله من في السموات والأرض } ، أي كلّ يوم هو في شأن من الشؤون للسائلين وغيرهم فهو تعالى يُبرم شؤوناً مختلفة من أحوال الموجودات دواماً ، ويكون { كل يوم } ظرفاً متعلقاً بالاستقرار في قوله : { هو في شأن } ، وقدم على ما فيه متعلّقهُ للاهتمام بإفادة تكرر ذلك ودوامه . والمعنى : في شأن من شؤون من في السماوات والأرض من استجابة سُؤللٍ ، ومن زيادة ، ومن حرمان ، ومن تأخير الاستجابة ، ومن تعويض عن المسؤول بثواب ، كما ورد في أحاديث الدعاء أن استجابته تكون مختلفة ، وتقدم عند قوله تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] .
ومعنى { في } على هذا التفسير تقويَة ثبوت الشؤون لله تعالى وهي شؤون تصرّفه ومظاهر قدرته ، كما قال الحسين بن الفضل النيسابوري : « شؤون يبديها لا شؤون يبتديها » .
و { يوم } مستعمل مجازاً في الوقت بعلاقة الإِطلاق ، إذ المعنى : كل وقت من الأوقات ولو لحظة ، وليس المراد باليوم الوقت الخاص الذي يمتد من الفجر إلى الغروب .
وإطلاق اليوم ونحوه على مطلق الزمان كثير في كلام العرب كقولهم : الدهر يومان يوم نُعُم ويوم بُؤس ، وقال عمرو بن كلثوم :
وإنّ غَداً وإن اليومَ رهن *** وبَعد غَدٍ لِمَا لا تعلمين
أراد الزمان المستقبل والحاضر والمستقبل البعيد وإلا فأي فرق بين غد وبعد غد .
والشأن : الشيء العظيم والحدث المهم من مخلوقات وأعمال من السماوات والأرض ، وفي الحديث " أنه تعالى كل يوم يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع أقواماً ويضع آخرين " وهو تعالى يأمر وينهي ويحيي ويميت ويعطي ويمنع ونحو ذلك وإذا كان في تصرفه كل شأن فما هو أقل من الشأن أولى بكونه من تصرفه .
والظرفية المستعملة فيها حرف { في } ظرفية مجازية مستعارة لشدة التلبس والتعلق بتصرفات الله تعالى بمنزلة إحاطة الظرف بالمظروف أو بأسئلة المخلوقات الذين في السماء والأرض .
والمعنى : أنه تعالى كل يوم تتعلق قدرته بأمور يبرزها ويتعلق أمره التكويني بأمور من إيجاد وإعدامٍ .
ومن أحاسن الكلم في تفسير هذه الآية قول الحسين بن الفضل{[406]} لما سأله عبد الله بن طاهر{[407]} قائلاً : قد أشكل عليّ قوله هذا : وقد صح أن القلم جفّ بما هو كائن إلى يوم القيامة . فقال : « إنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها » وقد أجمل الحُسين بن الفضل الجواب بما يقنع أمثال عبد الله بن طاهر ، وإن كان الإِشكال غير وارد إذ ليس في الآية أن الشؤون تخالف ما سطره قلم العلم الإِلهي ، على أن هذا الجواب لا يجري إلا على أحد الوجوه في تفسير قوله : { كل يوم هو في شأن } كما علمت آنفاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قوله: {يسأله من في السماوات والأرض} يعني يسأل أهل الأرض الله الرزق، وتسأل الملائكة أيضا لهم الرزق والمغفرة {كل يوم هو في شأن}... وشأنه أنه يحدث في خلقه ما يشاء من خلق، أو عذاب، أو شدة، أو رحمة، أو رخاء، أو رزق، أو حياة، أو موت...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السّمَواتِ والأرْضِ" يقول تعالى ذكره: إليه يَفْزع بمسألة الحاجات كلّ من في السموات والأرض، من مَلَك وإنس وجنّ وغيرهم، لا غنى بأحد منهم عنه...
وقوله: "كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنِ": يقول تعالى ذكره من كلّ يوم في شأن خلقه، فيفرج كرب ذي كرب ويرفع قوما ويخفض آخرين، وغير ذلك من شئون خلقه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يخبر الله عز وجل عن فزع أهل السماء وأهل الأرض إليه عند الإياس من الخلق وانقطاع الرجاء عنهم، وهو يذكر أنه المفزع في الأحوال كلها وللخلائق كلهم، ومنه يسألون الرزق والنجاة...
هذا صلة قوله: {كل من عليها فان} {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الآيتان: 26 و27]. يقول، والله أعلم: شأنه وأمره باق دائم أبدا وذهاب الخلق لا يدخل نقصا في شأنه وأمره ولا وهنا في سلطانه وملكه، بل هو في شأنه وأمره عند فنائهم كهو في حال حياتهم...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
"كل يوم هو في شأنِ" سَوْقِ المقادير إلى أوقاتها...
.كل يوم هو في شأنِ إظهارِ مستورٍ وسَتْرِ ظاهرٍ، وإحضارِ غائبٍ وتغييبِ حاضرٍ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
كل من أهل السموات والأرض مفتقرون إليه، فيسأله أهل السموات ما يتعلق بدينهم، وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم..
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{يسأله} يحتمل أن يكون في موضع الحال من الوجه، والعامل فيه {يبقى} [الرحمن: 27] أي هو دائم في هذه الحال...
والمعنى أن كل مخلوق من الأشياء فهو في قوامه وتماسكه ورزقه إن كان مما يرزق بحال حاجة إلى الله تعالى، فمن كان يسأل بنطق فالأمر فيه بين، ومن كان من غير ذلك فحاله تقتضي السؤال، فأسند فعل السؤال إليه. وقوله: {كل يوم هو في شأن} أي يظهر شأن من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماتة ورفعة وخفض، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو تعالى. والشأن: اسم جنس للأمور.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
{يسأله من في السماوات والأرض} المعنى: أن كل من في السماوات والأرض يسأل حاجته من الله، فمنهم من يسأله بلسان المقال، وهم المؤمنون ومنهم من يسأله بلسان الحال لافتقار الجميع إليه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وقوله: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات، وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم، وأنه كل يوم هو في شأن...
وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغُزّي، حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، حدثني عمرو بن بكر السَّكْسكي، حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني، عن أبيه، عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي، عن أبيه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، فقلنا: يا رسول الله، وما ذاك الشأن؟ قال: "أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين"...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يسئله} أي على سبيل التجدد والاستمرار {من في السماوات} أي كلهم {والأرض} أي كلهم من ناطق أو صامت بلسان الحال أو القال أو بهما، ولما كان كأنه قيل: فما ذا يفعل عند السؤال، وكان أقل الأوقات المحدودة المحسوسة {اليوم} عبر به عن أقل الزمان كما عبر به عن أخف الموزونات بالذرة فقال مجيباً لذلك: {كل يوم} أي وقت من الأوقات...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض} قاطبةً ما يحتاجونَ إليه في ذواتِهم ووجوداتِهم حدوثاً وبقاءً وسائرِ أحوالِهم سؤالاً مستمراً بلسانِ المقالِ أو بلسانِ الحالِ، فإنَّهم كافةً من حيثُ حقائقُهم الممكنةُ بمعزلٍ من استحقاقِ الوجودِ وما يتفرعُ عليه من الكمالاتِ بالمرةِ بحيثُ لو انقطعَ ما بينَهم وبين العنايةِ الإلهية من العلاقةِ لم يشَمُّوا رائحةَ الوجودِ أصلاً فهم في كلِّ آنٍ مستمرونَ على الاستدعاءِ والسؤالِ.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يسأله من في السماوات والأرض، فهو مناط السؤال؛ وغيره لا يسأل لأنه فان لا يتعلق به سؤال.. يسألونه وهو وحده الذي يستجيب، وقاصده وحده هو الذي لا يخيب. وما يتجه أحد إلى سواه إلا حين يضل عن مناط السؤال ومعقد الرجاء ومظنة الجواب...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرْض} وحذف مفعول {يسئله} لإِفادة التعميم، أي يسألونه حوائجهم ومهامهم من طلوع الشمس إلى غروبها. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ}. يجوز أن تكون الجملة حالاً من ضمير النصب في {يسئله} أو تذييلاً لجملة {يسئله من في السموات والأرض}، أي كلّ يوم هو في شأن من الشؤون للسائلين وغيرهم ويكون {كل يوم} ظرفاً متعلقاً بالاستقرار في قوله: {هو في شأن}، وقدم على ما فيه متعلّقهُ للاهتمام بإفادة تكرر ذلك ودوامه.ومعنى {في} على هذا التفسير تقويَة ثبوت الشؤون لله تعالى وهي شؤون تصرّفه ومظاهر قدرته،وإذا كان في تصرفه كل شأن فما هو أقل من الشأن أولى بكونه من تصرفه...
. والمعنى: أنه تعالى كل يوم تتعلق قدرته بأمور يبرزها ويتعلق أمره التكويني بأمور من إيجاد وإعدامٍ.