فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

{ يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن( 29 )فبأي ءالاء ربكما تكذبان( 30 ) } .

الله رب كل شيء ومليكه ، ووليه ومصلحه ، فلا غنى بأحد عن مربيه ومالك أمره ومصلح شأنه ، ومَن مِنه يستمد الحفظ والرزق والرشد لحظة بعد لحظة ، وليس من ساعة إلا ولربنا فيها منح ، وللمكلفين فيها من الله ابتلاء ؛ وفي المأثور من دعاء السحر : ماذا أنزل ربنا الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن ؟ ! فبأي آيات الله وأنعمه يجحد المبطلون ؟ .

[ { يسأله من في السماوات الأرض } قاطبة ما يحتاجون إليه في ذواتهم حدوثا وبقاء ، وفي سائر أحوالهم سواء ، سؤالا مستمرا بلسان المقال أو بلسان الحال ، فإنهم كافة من حيث حقائقهم الممكنة بمعزل من استحقاق الوجود وما يتفرع عليه من الكمالات بالمرة بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الإلهية من العلاقة لم يشموا رائحة الوجود أصلا ؛ فهم في كل آن سائلون ]{[6087]} .

[ قيل : المعنى : يسأله من في السماوات الرحمة ، ومن في الأرض الرزق . . أهل السماوات يسألونه المغفرة ولا يسألونه الرزق ، وأهل الأرض يسألونهما جميعا ؛ وقال ابن جرير : وتسأل الملائكة الرزق لأهل الأرض ، فكانت المسألتان جميعا من أهل السماء والأرض لأهل الأرض . . . . { كل يوم هو في شأن } هذا كلام مبتدأ ، وانتصب { كل يوم } ظرفا ، لقوله { في شأن } أو ظرفا للسؤال ، ثم يبتدئ { هو في شأن } ؛ وروى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { كل يوم هو في شأن } قال : ( من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين ) وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : { كل يوم هو في شأن } قال : " يغفر ذنبا ويكشف كربا ويجيب داعيا " . . والشأن في اللغة : الخطب العظيم ؛ والجمع الشئون ؛ والمراد بالشأن هاهنا الجمع ؛ كقوله تعالى : { . . ثم يخرجكم طفلا }{[6088]} . . ]{[6089]} .

وعن مقاتل : إن الآية نزلت في اليهود قالوا : إن الله تعالى لا يقضي يوم السبت شيئا فردّ عزّ وجل عليهم بذلك ؛ وسأل عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن الجمع بين هذه الآية وما صح من أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة فقال : شئون يبديها لا شئون يبتديها . . . { فبأي ءالاء ربكما تكذبان } مما يُسعف به سؤلكما ، وما يُخرج لكما بيديه من مكمن العدم حينا فحينا . ]{[6090]} .


[6087]:مما أورد صاحب روح المعاني.
[6088]:سورة الحج من الآية 5.
[6089]:مما نقل القرطبي.
[6090]:مما نقل الألوسي.