فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

{ يسأله من في السموات والأرض } مستأنف ، أو حال من وجه ، والعامل فيه يبقى أي يبقى مسؤولا ممن فيهما أي يسألونه جميعا لأنهم محتاجون إليه . قال أبو صالح : يسأله أهل السموات المغفرة . ولا يسألونه الرزق وأهل الأرض يسألونه الأمرين جميعا وقال مقاتل : يسأله أهل الأرض المغفرة والرزق وتسأل لهم الملائكة أيضا الرزق والمغفرة فكانت المسألتان جميعا من أهل السماء وأهل الأرض لأهل الأرض . وكذا قال ابن جريج وقيل : يسألونه الرحمة قال قتادة : لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض أي في ذواتهم وصفاتهم وسائر ما يهمهم ويعن لهم والحاصل أنه يسأله كل مخلوق من مخلوقاته بلسان المقال ، أو لسان الحال ، ما يطلبونه من خيري الدارين ، أو من خير أحدهما ، وقال ابن عباس : مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة .

{ كل يوم هو في شأن } أي : استقر سبحانه في شأن كل وقت من الأوقات واليوم عبارة عن الوقت والشأن هو الأمر ، ومن جملة شؤونه سبحانه إعطاء أهل السموات والأرض ما يطلبونه منه ، على اختلاف حاجاتهم ، وتباين أغراضهم ، قال المفسرون : من شأنه أنه يحيي ويميت ، ويرزق ويفقر ويعز ويذل ، ويمرض ويشفي ، ويعطي ويمنع ، ويغفر ويعاقب ، ويرحم ويغضب إلى غير ذلك مما لا يحصى ، وقيل : كل وقت وحين يحدث أمورا ويجدد أحوالا ، وقيل : نزلت في اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شأنا وشيئا وقيل : المراد سوق المقادير إلى المواقيت ، وقال الحسين ابن الفضل : أنها شؤون له يبديها لا شؤون يبتديها ، وقال أبو سليمان الداراني : في كل يوم إلى العبيد بر جديد وقيل : يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر عسكرا من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ، وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا وعسكرا من الدنيا إلى القبور ؛ ثم يرتحلون جميعا إلى الله تعالى .

ولا وجه لتخصيص شأن دون شأن ، بل الآية تدل على أنه سبحانه كل يوم في شأن من الشؤون له ، أي شأن كان من غير تعيين وشؤونه سبحانه لا تحصى ، ولا يعلمها إلا هو ، فالعموم أولى وأنسب بمقام القدرة وكمالها ، وقيل : المراد باليوم المذكور هو يوم الدنيا ويوم الآخرة . وشأنه في الدنيا الاختبار بالأمر والنهي ، والإحياء والإماتة ، والإعطاء والمنع ، وغير ذلك ، وشأنه في الآخرة الجزاء والحساب والثواب والعقاب وغير ذلك ، قال ابن بحر وسفيان ابن عيينة : الدهر كله عند الله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة وقيل : المراد كل يوم من أيام الدنيا .

" عن عبد الله بن منيب قال : تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقلنا : يا رسول الله وما ذلك الشأن ؟ قال : أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ويضع آخرين " ، أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده والبزار وابن جرير والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن منده وابن مردويه وأبو نعيم وابن عساكر .

" وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية مثله " أخرجه البخاري في تاريخه وابن ماجة وابن أبي عاصم وغيرهم ؛ وزاد البزار : ويجيب داعيا ، وقد رواه البخاري تعليقا وجعله من كلام أبي الدرداء .

" وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يغفر ذنبا ويفرج كربا " أخرجه البزار