الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

{ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } من ملك وإنس وجنّ وغيرهم لا غنى لأحد منهم منه قال ابن عباس : وأهل السماوات يسألونه المغفرة ، ولا يسألونه الرزق ، وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرة .

{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } قال مقاتل : أُنزلت في اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً ، فأنزل الله سبحانه : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .

أخبرني أبو القاسم عبد الرَّحْمن بن محمد إبراهيم الحوضي قال : أخبرنا أبو أحمد عبد الله ابن عدي الحافظ قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن طويط أبو القاسم البزاز قال : حدّثنا إبراهيم ابن محمد بن يوسف الفريابي قال : حدّثنا عمر بن بكر قال : حدّثنا حارث بن عبيدة بن رياح الغسّاني عن أبيه عن عبدة بن أبي رياح عن مثبت بن عبد الله الأزدي عن أبيه عن عبد الله بن منيب قال : " تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } فقلنا : يا رسول الله وما ذاك الشأن ؟ قال : " يغفر ذنباً ، ويفرج كرباً ، ويرفع قوماً ، ويضع آخرين " " .

وحدّثنا أبو بكر محمد بن احمد بن عبدوس إملاءً قال : أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد ابن يحيى البزاز ، قال : حدّثنا يحيى بن الربيع المكي قال : حدّثنا سفيان بن عيينة قال : حدّثنا أبو حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إن ممّا خلق الله سبحانه وتعالى لوحاً من درّة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور وكتابه نور ، ينظر الله سبحانه فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء ، فذلك قوله سبحانه { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .

وقال مجاهد وعبيدة بن عمير : من شأنه أن يجيب داعياً ويعطي سائلا ويفكّ غائباً ويشفي سقيماً ويغفر ذنباً ويتوب على قوم ، وقال سفيان بن عيينة : الدهر كله عند الله سبحانه يومان : أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة ، والشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة الدنيا ، الاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، وشأن يوم القيامة الجزاء والحساب والثواب والعقاب ، وقال الحسين بن الفضل هو سوق المقادير إلى المواقيت .

ويقال : شأنه سبحانه أنّهُ يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر : عسكراً من أصلاب الآباء إلى الأرحام ، وعسكراً من الأرحام إلى الدنيا ، وعسكراً من الدنيا إلى القبور ، ثم يرحلون جميعاً إلى الله سبحانه ، وقال الربيع بن أنس : يخلق خلقاً ويميت آخرين ويرزقهم ويكلؤهم . سويد بن جبلة الفراري : يعتق رقاباً ويقحم عقاباً ويعطي رغاباً ، وقال بعضهم : هو الجمع والتفريق . أبو سليمان الداراني : هو إيصاله المنافع إليك ، ودفعه المضار عنك . فلم نغفل عن طاعة من لا يغفل عنا ؟ وقال أيضاً : في هذه الآية كل يوم له إلى العبيد برّ جديد .

ويحكى أن بعض الأمراء سأل وزيره عن معنى هذه الآية فلم يعرفه واستمهله إلى الغد ، فرجع الوزير إلى داره كئيباً ، فقال له غلام أسود من غلمانه : يا مولاي ما أصابك ؟ فزجره . فقال : يا مولاي ، أخبرني ، فلعلّ الله سبحانه يسهّل لك الفرج على يديّ ، فأخبره بذلك فقال له : عد إلى الأمير وقل له : إن لي غلاماً أسود إن أذنت له فسّر لك هذه الآية ، ففعل ذلك ودعا الأمير الغلام وسأله عن ذلك فقال : أيها الأمير شأن الله هو انه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، ويخرج الميت من الحي يخرج الحي من الميت ، ويشفي سقيماً ، ويسقم سليماً ، ويبتلي معافىً ، ويعافي مبتلىً ، ويعز ذليلا ، ويذل عزيزاً ، ويفقر غنياً ويغني فقيراً . فقال الأمير : أحسنت يا غلام ، قد فرّجت عني . ثم أمر الوزير بخلع ثياب الوزارة وكساها الغلام ، فقال : يا مولاي ، هذا شأن الله عز وجل .

{ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .