مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

{ يَسْأَلُهُ مَن فِى السماوات والأرض } وقف عليها نافع كل من أهل السماوات والأرض مفتقرون إليه فيسأله أهل السماوات ما يتعلق بدينهم وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم ، وينتصب { كُلَّ يَوْمٍ } ظرفاً بما دل عليه { هُوَ فِى شَأْنٍ } أي كل وقت وحين يحدث أموراً ويجدد أحوالاً كما روي أنه عليه السلام تلاها فقيل له : وما ذلك الشأن ؟ فقال : من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين . وعن ابن عيينة : الدهر عند الله يومان : أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، والآخر يوم القيامة فشأنه فيه الجزاء والحساب . وقيل : نزلت في اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شأناً . وسأل بعض الملوك وزيره عن الآية فاستمهله إلى الغد وذهب كئيباً يفكر فيها فقال غلام له أسود : يا مولاي أخبرني ما أصابك لعل الله يسهل لك على يدي فأخبره فقال : أنا أفسرها للملك فأعلمه فقال : أيها الملك شأن الله أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، ويشفي سقيماً ويسقم سليماً ، ويبتلي معافى ويعافي مبتلي ، ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً ، ويفقر غنياً ويغني فقيراً . فقال الأمير : أحسنت وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة فقال : يا مولاي هذا من شأن الله . وقيل : سوق المقادير إلى المواقيت .

وقيل : إن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل وقال له : أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي : قوله { فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين } وقد صح أن الندم توبة ، وقوله { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة ، وقوله { وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى } فما بال الأضعاف ؟ فقال الحسين : يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة ، وقيل : إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله . وكذا قيل : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى مخصوص بقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام . وأما قوله { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها . فقام عبد الله وقبل رأسه وسوع خراجه