النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

{ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ } فيه قولان :

أحدهما : يسألونه الرزق لأهل الأرض فكانت المسألتان جميعاً من أهل السماء وأهل الأرض ، لأهل الأرض ، قاله ابن جريج وروته عائشة مرفوعاً .

الثاني : أنهم يسألونه القوة على العبادة ، قاله ابن عطاء ، وقيل إنهم يسألونه لأنفسهم الرحمة ، قاله أبو صالح .

قال قتادة : لا استغنى عنه أهل السماء ولا أهل الأرض ، قال الكلبي : وأهل السماء يسألونه المغفرة خاصة لأنفسهم ولا يسألونه الرزق ، وأهل الأرض يسألونه المغفرة والرزق .

{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأنٍ } فيه قولان :

أحدهما : أنه أراد شأنه في يومي الدنيا والآخرة ، قال ابن بحر : الدهر كله يومان{[2849]} : أحدهما : مدة أيام الدنيا ، والآخر : يوم القيامة ، فشأنه سبحانه في أيام الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر ، والنهي ، والإحياء ، والإماتة ، والإعطاء ، والمنع ، وشأنه يوم القيامة الجزاء ، والحساب ، والثواب ، والعقاب .

والقول الثاني : أن المراد بذلك الإخبار عن شأنه في كل يوم من أيام الدنيا .

وفي هذا الشأن الذي أراده في أيام الدنيا قولان :

أحدهما : من بعث من الأنبياء في كل زمان بما شرعه لأمته من شرائع الدين وكان الشأن في هذا الموضع هو الشريعة التي شرعها كل نبي في زمانه ويكون اليوم عبارة عن المدة .

والقول الثاني : ما يحدثه الله في خلقه من تبدل الأحوال واختلاف الأمور ، ويكون اليوم عبارة عن الوقت .

روى مجاهد عن عبيد بن عمير قال : كل يوم هو في شأن ، يجيب داعياً ، ويعطي سائلاً ، ويفك عانياً ، ويتوب على قوم ، ويغفر لقوم .

وقال سويد بن غفلة : كل يوم هو في شأن ، هو يعتق رقاباً ، ويعطي رغاباً ، ويحرم عقاباً .

وقد روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأنٍ } مِن شَأَنِهِ أَن يَغْفِرَ ذَنباً ، وَيَفْرِجَ كَرْباً ، وَيَرفَعَ قَوماً ، وَيَضَعَ آخَرِينَ{[2850]} "


[2849]:ذكر صاحب الكشاف أن قائل ذلك ابن عيينة انظر تفسيره 4/ 365 لكن القرطبي الذي ينقل كثيرا عن المؤلف نسب هذا القول إلى ابن بحر، انظر تفسيره 17/ 166.
[2850]:أخرجه ابن ماجه وابن حبان والطبراني والبزار وأبو يعلى.