المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (116)

116- ومن كان هذا شأنه ، وكان جميع ما في الكون مسخراً لأمره ، خاضعاً لمشيئته ، فهو أرفع وأجل من أن يحتاج لنسل أو يتخذ ولداً كما يقول هؤلاء اليهود والنصارى والمشركون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (116)

قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الله ولداً } . وقرأ ابن عامر قالوا بلا واو ، وقرأ الآخرون ( وقالوا اتخذ الله ولداً ) نزلت في يهود المدينة حيث قالوا : ( عزير ابن الله ) وفي نصارى نجران حيث قالوا : المسيح ابن الله ، وفي مشركي العرب حيث قالوا : الملائكة بنات الله .

قوله تعالى : { سبحانه } . نزه وعظم نفسه .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب عن عبد الرحمن بن أبي حسن عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي ، فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان ، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد ، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً " .

قوله تعالى : { بل له ما في السماوات والأرض } . عبيداً وملكاً .

قوله تعالى : { كل له قانتون } . قال مجاهد وعطاء والسدي : مطيعون وقال عكرمة ومقاتل : مقرون له بالعبودية ، وقال ابن كيسان : قائمون بالشهادة ، وأصل القنوت القيام قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة طول القنوت " ، واختلفوا في حكم الآية ، فذهب جماعة إلى أن حكم الآية خاص ، وقال مقاتل : هو راجع إلى عزير والمسيح والملائكة ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : هو راجع إلى أهل طاعته دون سائر الناس ، وذهب جماعة : إلى أن حكم الآية عام في جميع الخلق لأن لفظ " كل " تقتضي الإحاطة بالشيء بحيث لا يشذ منه شيء ، ثم سلكوا في الكفار طريقين : فقال مجاهد : يسجد ظلالهم لله على كره منهم قال الله تعالى : { وظلالهم بالغدو والآصال } وقال السدي : هذا يوم القيامة دليله { وعنت الوجوه للحي القيوم } وقيل : قانتون مذللون مسخرون لما خلقوا له .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (116)

ثم حكى القرآن بعض الأقاويل الباطلة التي افتراها أصحاب القلوب المريضة فقال - تعالى - : { وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ . . . }

قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَداً } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك وقالت اليهود ليست النصارى على شيء إلخ " .

واتخذ : من الاتخاذ وهو الصنع والجعل والعمل . والولد : يطلق على الذكر والأنثى ، والواحد والجمع .

والذين قالوا اتخذ الله ولدا هم اليهود والنصارى والمشركون ، فقد حكى الله عن اليهود أنه قالوا : { عُزَيْرٌ ابن الله } وحكى عن النصارى أنهم قالوا : { المسيح ابن الله } وحكى عن المشركين أنهم قالوا " الملائكة بنات الله " فيصح أن يكون الضمير في قالوا عائداً على الفرق الثلاث أو على بعضهم . فمن المعروف أن القرآن يجري على الأسلوب المعروف في المخاطبات حيث يسند إلى القوم ما صدر من بعضهم فحين قال : { وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله } أصبح من السائغ في صحة المعنى أن يكون هذا القول قد صدر من طائفة منهم :

وقوله : { سُبْحَانَهُ } تنزيه له عما هو نقص في حقه ومحال عليه من اتخاذ الولد ، لاقتضاء الوالدية : النوعية والجنسية والتناسل والافتقار ، والتشبيه والحدوث وفي الصحيحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولداً ، وهو يرزقهم ويعافيهم " .

وسبحانه : مصدر لسبح بمعنى نزه ، وهو منصوب بفعل لم يسمع من العرب التصريح به معه ، والأصل : أسبحه سبحانه ، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ، وأضيف إلى ضمير المنزه .

وقوله : { بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض } إضراب عن مقالاتهم التي نسبوا بها إلى الله اتخاذ الولد ، وشروع في الاستدلال على بطلانها .

واللام في قوله : { لَّهُ } للاختصاص الكامل وهو الملك الحقيقي ، و ( ما ) اسم موصول يراد منه الكائنات : ما يعقل وما لا يعقل ومن جملة هذه الكائنات من ادعوا أنه ولد لله .

والمقصود إثبات أن قولهم { اتخذ الله وَلَداً } زعم باطل ، فإن جميع ما احتوت عليه السموات والأرض مملوك لله يتصرف فيه كيف يشاء ، فلا حاجة إلى اتخاذ الولد ، إذ الولد إنما يسعى إليه الوالد ، أو يرغب فيه ليعتزبه أو ليحيى ذكره ، أوليستعين به على القيام بأعباء الحياة . والله - تعالى - منزه عن أمثال هذه الأغراض التي لا تليق إلا بمن خلق ضعيفاً كالإِنسان ثم إن الحكمة من التوالد بقاء النوع محفوظاً بتوارد أمثال الوالد حيث لا سبيل إلى بقائه بعينه ، أما الخالق - تعالى - فهو الواحد في ذاته وصفاته ، الباقي على الدوام ، كما قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام } وقوله - تعالى - { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } .

معناه : كل له مطيعون طاعة تسخير وانقياد ، خاضعون لا يستعصي منهم شيء على مشيئته وإرادته : شاهدون بلسان الحال والمقال على وحدانيته من القنوت وهو لزوم الطاعة مع الخضوع ، وإنما جاء { قَانِتُونَ } بجمع المذكر المختص بالعقلاء ، مع أن الخضوع لله يكون من العقلاء وغيرهم تغليباً للعقلاء على غيرهم ، لأنهم أهل القنوت عن إرادة وبصيرة ، ولأن ظهوره فيهم أكمل من ظهوره في غيرهم .

وفصلت جملة { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } عن سابقتها ، لقصد استقلالها بالاستدلال على نفي أن يكون لله ولد ، حتى لا يظن السامع أنها مكملة للدليل المسوق له قوله - تعالى - : { لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (116)

اشتملت هذه الآية الكريمة ، والتي تليها على الرد على النصارى - عليهم لعائن الله - وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب ، ممن{[2596]} جعل الملائكة بنات الله ، فأكذب الله جميعهم في دعواهم وقولهم : إن لله ولدا . فقال تعالى : { سُبْحَانَهُ } أي : تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوًا كبيرًا { بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : ليس الأمر كما افتروا ، وإنما له ملك السماوات والأرض ، وهو المتصرف فيهم ، وهو خالقهم ورازقهم ، ومُقَدِّرهم ومسخرهم ، ومسيرهم ومصرفهم ، كما يشاء ، والجميع عبيد{[2597]} له وملك له ، فكيف يكون له ولد منهم ، والولد إنما يكون متولدًا من شيئين متناسبين ، وهو تبارك وتعالى ليس له نظير ، ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له ، فكيف يكون له ولد ! كما قال تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

[ الأنعام : 101 ] وقال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [ مريم : 88 - 95 ] وقال تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ سورة الإخلاص ] .

فقرر{[2598]} تعالى في هذه الآيات الكريمة أنه السيد العظيم ، الذي لا نظير له ولا شبيه له ، وأن جميع الأشياء غيره مخلوقة له مربوبة ، فكيف يكون له منها ولد ! ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية من البقرة : أخبرنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن عبد الله بن أبي حُسَين ، حدثنا نافع بن جبير - هو ابن مطعم - عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : كَذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إيَّاي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان ، وأما شتمه إياي فقوله : لي ولد . فسبحاني{[2599]} أن أتخذ صاحبة أو ولدا " .

انفرد به البخاري من هذا الوجه{[2600]} .

وقال ابن مَرْدُويه : حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، حدثنا إسحاق بن محمد الفَرْوي ، حدثنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : كذبني ابن آدم ولم ينبغ له أن يكذبني ، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني ، أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني . وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته{[2601]} . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا . وأنا الله الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد " {[2602]} .

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ؛ إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " {[2603]} .

وقوله : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } قال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أسباط ، عن مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس ، قال : { قَانِتينَ } مصلين .

وقال عكرمة وأبو مالك : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } مُقرُّون له بالعبودية . وقال سعيد بن جبير : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } يقول : الإخلاص . وقال الربيع بن أنس : يقول كل له قائم يوم القيامة . وقال السدي : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } يقول : له مطيعون يوم القيامة .

وقال خَصيف ، عن مجاهد : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } قال : مطيعون ، كن إنسانًا فكان ، وقال : كن حمارًا فكان .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } مطيعون ، يقول : طاعة الكافر في سجود ظله وهو كاره .

وهذا القول عن مجاهد - وهو اختيار ابن جرير - يجمع الأقوال كلها ، وهو أن القنوت : هو الطاعة والاستكانة إلى الله ، وذلك شرعي وقَدري ، كما قال تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } [ الرعد : 15 ] .

وقد وَرَد حديث فيه بيان القنوت في القرآن ما هو المراد به ، كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونُس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن دَرَّاجًا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو

الطاعة " .

وكذا رواه الإمام أحمد ، عن حسن بن موسى ، عن ابن لَهِيعة ، عن دَرّاج بإسناده ، مثله{[2604]} .

ولكن هذا الإسناد ضعيف لا يعتمد عليه . ورفع هذا الحديث منكر ، وقد يكون من كلام الصحابي أو مَنْ دونه ، والله أعلم . وكثيرًا ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نَكَارَة ، فلا يغتر بها ، فإن السند ضعيف ، والله أعلم .


[2596]:في ب، أ: "من".
[2597]:في ط: "والجميع عبد".
[2598]:في أ، و: "يقرر".
[2599]:في ط: "سبحاني".
[2600]:صحيح البخاري برقم (4482).
[2601]:في أ: "بإعادته".
[2602]:الحديث رواه البخاري في صحيحه برقم (4974) من طريق شعيب عن أبي الزناد به، وفيه: "ولم يكن لي كفوا أحد".
[2603]:صحيح البخاري برقم (6099) وصحيح مسلم برقم (2804) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[2604]:تفسير ابن أبي حاتم (1/348) والمسند (3/75).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (116)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَقَالُواْ اتّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لّهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلّ لّهُ قَانِتُونَ }

يعني بقوله جل ثناؤه : { وَقَالُوا اتّخَذَ اللّهُ وَلَدا } الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، وقالوا معطوف على قوله : وَسَعَى في خَرَابِها .

وتأويل الآية : { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها } ، { وقالوا اتخذ الله ولدا } وهم النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله ؟ فقال الله جل ثناؤه مكذّبا قِيلَهم ما قالوا من ذلك ومنتفيا مما نحلوه وأضافوا إليه بكذبهم وفريتهم . سبحانه يعني بها : تنزيها وتبريئا من أن يكون له ولد ، وعلوّا وارتفاعا عن ذلك . وقد دللنا فيما مضى على معنى قول القائل : «سبحان الله » بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . ثم أخبر جل ثناؤه أن له ما في السموات والأرض مِلْكا وخلقا ، ومعنى ذلك : وكيف يكون المسيح لله ولدا ، وهو لا يخلو إما أن يكون في بعض هذه الأماكن إما في السموات ، وإما في الأرض ، ولله ملك ما فيهما ؟ ولو كان المسيح ابنا كما زعمتم لم يكن كسائر ما في السموات والأرض من خلقه وعبيده في ظهور آيات الصنعة فيه .

القول في تأويل قوله تعالى : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : مطيعون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ } : مطيعون .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ }قال : مطيعون ، قال : طاعة الكافر في سجود ظله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله ، إلا أنه زاد : بسجود ظله وهو كاره .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ } يقول : كل له مطيعون يوم القيامة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عمن ذكره ، عن عكرمة : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ }قال : الطاعة .

حدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : { قانِتون } : مطيعون .

وقال آخرون : معنى ذلك كلّ له مُقرّون بالعبودية . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ }كل مقّر له بالعبودية . وقال آخرون بما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ }قال : كل له قائم يوم القيامة .

وللقنوت في كلام العرب معان : أحدها الطاعة ، والاَخر القيام ، والثالث الكفّ عن الكلام والإمساك عنه .

وأولى معاني القنوت في قوله : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ }الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة ، والدلالة على وحدانية الله عز وجل ، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها . وذلك أن الله جل ثناؤه أكذب الذين زعموا أن لله ولدا بقوله : بل له ما في السموات والأرض ملكا وخلقا . ثم أخبر عن جميع ما في السموات والأرض أنها مقرّة بدلالتها على ربها وخالقها ، وأن الله تعالى بارئها وصانعها . وإنْ جحد ذلك بعضهم فألسنتهم مذعنة له بالطاعة بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها بذلك ، وأن المسيح أحدهم ، فأنى يكون لله ولدا وهذه صفته ؟ وقد زعم بعض من قصرت معرفته عن توجيه الكلام وجهته أن قوله : { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ }خاصة لأهل الطاعة وليست بعامة . وغير جائز ادّعاء خصوص في آية عام ظاهرها إلا بحجة يجب التسليم لها لما قد بينا في كتابنا : «كتاب البيان عن أصول الأحكام » .

وهذا خبر من الله جلّ وعزّ عن أن المسيح الذي زعمت النصارى أنه ابن الله مُكَذّبهم هو والسموات والأرض وما فيها ، إما باللسان ، وإما بالدلالة وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن جميعهم بطاعتهم إياه وإقرارهم له بالعبودية عقيب قوله : { وَقَالُوا اتّخَذَ اللّهُ وَلَدا } فدلّ ذلك على صحة ما قلنا .