فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (116)

{ وقالوا أتخذ الله ولدا } القائل هم اليهود والنصارى ، فاليهود قالوا عزير ابن الله والنصارى قالوا المسيح ابن الله ، وقيل هم الكفار العرب قالوا الملائكة بنات الله أخرج البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى كذبني ابن آدم وشتمني ، فأما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أعيده كما كان ، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا{[120]} " وأخرج نحوه أيضا من حديث أبي هريرة ، وفي الباب أحاديث .

والمراد بقوله { سبحانه } تنزيه الله تعالى عما نسبوا إليه من اتخاذ الولد وفيه رد على القائلين بأنه اتخذ ولدا لأن اتخاذ الولد لبقاء النوع ، والله منزه عن الفناء والزوال { بل له ما في السموات والأرض } أي بل هو مالك لما فيهما فكيف ينسب إليه الولد ، وهؤلاء القائلون داخلون تحت ملكه والولد من جنسهم لا من جنسه ، ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد { كل له قانتون } أي مطيعون ومقرون له بالعبودية ، والقانت المطيع الخاضع أي كل من في السموات والأرض كائنا ما كان من أولي العلم وغيرهم مطيعون له خاضعون لعظمته ، خاشعون لجلاله ، لا يستعصي شيء منهم على تكوينه وتقديره ومشيئته ، والقنوت في أصل اللغة القيام ، قال الزجاج ، فالخلق قانتون أي قائمون بالعبودية إما إقرارا وإما أن يكونوا على خلاف ذلك فأثر الصنعة بين عليهم ، وقيل أصله الطاعة منه { والقانتين والقانتات } وقيل السكوت ومنه { قوموا لله قانتين } ولهذا قال زيد ابن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت { وقوموا لله } الآية فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ، وقيل القنوت الصلاة والأولى أن القنوت لفظ مشترك بين معان كثيرة قيل هي ثلاثة عشر معنى وهي مبنية وقد نظمها بعض أهل العلم ، واختلف في حكم الآية فقيل هو خاص وقيل عام لأن لفظة كل تقتضي الشمول والإحاطة{[121]} .


[120]:صحيح الجامع الصغير 2203
[121]:وقد ورد الحديث: {أفضل الصلاة طول القنوت}.