تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (116)

الآية 116 [ وقوله تعالى ]{[1359]} : { وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه } فيه تنزيه ؛ نزه به نفسه عما قالوا فيه بما لا يليق ، ورد عليهم ؛ ومعناه ، والله أعلم ان اتخاذ الولد والتبني في الشاهد إنما يكون لأحد وجوه ثلاثة تحوجه إلى ذلك : إما لشهوات{[1360]} تغلبه فيقضيها به [ وإما لوحشه ]{[1361]} تأخذه ، فيحتاج إلى من يستأنس به ، وإما{[1362]} لدفع عدو يقهره ؛ فيحتاج إلى من يستنصر به ، ويستغيث .

فإذا كان [ الله ]{[1363]} عز وجل يتعالى عن أن يمسه حاجة ، أو يأخذه وحشة ، أو يقهره عدو فلأي شيء يتخذ ولدا ؟

وقوله : { بل له ما في السماوات والأرض } [ رد على ما قالوا : من ملك السموات ]{[1364]} وما فيها وملك الأرض وما فيها لا يمسه حاجة ، ولا يقهره عدو ؛ إذ ذلك ملك له ، يجري فيهم تقديره ، ويمضي عليهم أمره وتدبيره . وإنما يرغب إلى مثله إذا اعترض له شيء مما ذكرنا [ { سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا } ]{[1365]} [ الإسراء : 43 ] .

فإن عورض بالخلة [ فإنها تقع على وجوه :

الأول : قيل ]{[1366]} : تقع على غير جوهر من منه الخلة ، والولد لا يكون إلا من جوهره ، وإلى هذا يذهب الحسين .

والثاني : أن الخلة تقع لأفعال تكتسب وتستاق{[1367]} منه ، فيعلو أمره ، وترتفع مرتبته ، فيستوجب بذلك الخلة بمعنى الجزاء ، وأما الولد فإنه لا يقع عن أفعال تكتسب ، بل بدو ما به استحقاق يكون{[1368]} من مولده ، وقد نفى عن نفسه ما به يكون بقوله : { أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة } [ الأنعام : 101 ] .

والثالث : ما قال الراوندي : ( إنه لا بد من أن يدعى إلى التسمي أو إلى التحقيق ؛ إذ في الخلة تحقيق [ ما ]{[1369]} به تسمى{[1370]} ثم لم يحتمل [ في هذا تحقيق ما به يسمى ، والاسم لم يرد به الإذن ، وبالله التوفيق .

ويحتمل ]{[1371]} قوله : { بل له ما في السماوات والأرض } وجها آخر ؛ وهو أن يقال : إن ما في السماوات وما في الأرض ، كلهم عبيده وإماؤه ، فأنتم مع شدة حاجتكم إلى الأولاد لا تستحسنون أن تتخذوا عبيدكم وإماءكم أولادا ، فكيف تستحسنون ذلك لله عز وجل وتنسبون إليه مع غناء عنه ؟ وبالله التوفيق .

وقوله : { كل له قانتون } قيل فيه بوجوه : قيل{[1372]} : إن من في السماوات والأرض من الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم من الذين قلتم : إنه اتخذ ولدا { قانتون } له مقرون له الربوبية له و[ عبودية أنفسهم ]{[1373]} له ، وقيل : { قانتون } مطيعون متواضعون ، وقيل : القانتُ هو القائم ، [ لكن القائم ]{[1374]} يكون على وجهين : يكون القائم المنتصب على الأقدام ، ويكون القائم بالأمر والحفظ .

ثم لا يحتمل أن يراد بالقانت ههنا المنتصب بالقدم [ وإنما هو رجوع ]{[1375]} إلى الطاعة له وحفظ ما عليه ، وهو كقوله : { هو قائم على كل نفس بما كسبت } [ الرعد : 33 ] . ويحتمل تنزيه [ الخالق ]{[1376]} لأن خلقة كل أحد تنزه ربه عن جميع ما يقولون فيه ، أو أن يقال : { كل له قانتون } في الجملة كقوله : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله }[ الزخرف : 87 ] .


[1359]:- من ط م و ط ع.
[1360]:- من ط م، في الأصل و ط ع: الشهوات.
[1361]:- من ط م، في الأصل: أو الوحشة، في ط ع: وأما الوحشة.
[1362]:- من ط م، في الأصل و ط ع: أو.
[1363]:- من ط م.
[1364]:- من ط م، في ط ع: بل له ما في السماوات، ساقطة من الأصل.
[1365]:- في النسخ الثلاث: تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
[1366]:- من ط م و ط ع.: قيل، ساقطة من الأصل.
[1367]:- من ط م، في الأصل: وتستو، في ط ع: وتستؤ.
[1368]:- ساقطة من ط ع.
[1369]:- من ط م و ط ع.
[1370]:- في ط م: يسمى.
[1371]:- من ط م.
[1372]:- من ط م، في الأصل و ط ع: وقيل.
[1373]:- في النسخ الثلاث: والعبودية لأنفسهم.
[1374]:- من ط م.
[1375]:- في النسخ الثلاث: فرجع.
[1376]:- في ط م: الخلقه، ساقطة من الأصل و ط ع.