الولد : معروف ، وهو فعل بمعنى مفعول ، كالقبض والنقض ، ولا ينقاس فعل بمعنى مفعول ، وفعله : ولد يلد ولادة ووليدية ، وهذا المصدر الثاني غريب .
القنوت : القيام ، ومنه أفضل الصلاة طول القنوت ، أي القيام والطاعة والعبادة والدعاء .
{ وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه } : نزلت في اليهود ، إذ قالوا : { عزير ابن الله } أو في النصارى ، إذ قالوا : { المسيح ابن الله } أو في المشركين ، إذ قالوا : الملائكة بنات الله ، أو في النصارى والمشركين ، أقوال أربعة ، والأخير قاله الزجاج .
ولاختلافهم في سبب النزول ، اختلفوا في الضمير في وقالوا ، على من يعود ؟ فقيل : هو عائد على الجميع من غير تخصيص .
فإن كلاً منهم قد جعل لله ولداً ، قاله ابن إسحاق ، والجمهور على قراءة : وقالوا بالواو ، وهو آكد في الربط ، فيكون عطف جملة خبرية على جملة مثلها .
وقيل : هو عطف على قوله : { وسعى في خرابها } ، فيكون معطوفاً على معطوف على الصلة ، وفصل بينهما بالجمل الكثيرة ، وهذا بعيد جداً ، ينزه القرآن عن مثله .
وقرأ ابن عباس وابن عامر وغيرهما : قالوا بغي واو ، ويكون على استئناف الكلام ، أو ملحوظاً فيه معنى العطف ، واكتفى بالضمير والربط به عن الربط بالواو .
وقال الفارسي : وبغير واو هي في مصاحف أهل الشام .
تقدم أن اتخذ : افتعل من الأخذ ، وأنها تارة تتعدى إلى واحد نحو قوله : { اتخذت بيتاً } قالوا : معناه صنعت وعملت ، وإلى اثنين فتكون بمعنى : صير .
وكل من الوجهين يقتضي تصوره باستحالة الولد ، لأن الولد يكون من جنس الوالد .
فإن جعلت اتخذ بمعنى عمل وصنع ، استحال ذلك ، لأن الباري تعالى منزه عن الحدوث ، قديم ، لا أولية لقدمه ، وما عمله محدث ، فاستحال أن يكون ولد أله .
وإن جعلت اتخذ بمعنى صير ، استحال أيضاً ، لأن التصيير هو نقل من حال إلى حال ، وهذا لا يكون إلا فيما يقبل التغيير ، وفرضية الولد به تقتضي أن يكون من جنس الوالد لا تقتضي التغيير ، فقد استحال ذلك .
وإذا جعلت اتخذ بمعنى صير ، كان أحد المفعولين محذوفاً ، التقدير : وقالوا اتخذ بعض الموجودات ولداً .
والذي جاء في القرآن إنما ظاهره التعدي إلى واحد ، قال تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } { ما اتخذ الله من ولد } { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً } وقال القشيري : أتى بالولد ، وهو أحدى الذات ، لا جزاء لذاته ، ولا تجوز الشهوة في صفاته . انتهى .
ولما كانت هذه المقالة من أفسد الأشياء وأوضحها في الاستحالة ، أتى باللفظ الذي يقتضي التنزيه والبراءة من الأشياء التي لا تجوز على الله تعالى ، قبل أن يضرب عن مقالتهم ويستدل على بطلان دعواهم .
وكان ذكر التنزيه أسبق ، لأن فيه ردعاً لمدعي ذلك ، وأنهم ادعوا أمراً تنزه الله عنه وتقدس ، ثم أخذ في إبطال تلك المقالة فقال : { بل له ما في السموات والأرض } : أي جميع ذلك مملوك له ، ومن جملتهم من ادعوا أنه ولد الله .
والولادة تنافي الملكية ، لأن الوالد لا يملك ولده .
وقد ذكر بعض المفسرين هنا مسألة من اشترى والده أو ولده أو أحداً من ذوي رحمه ، وموضوعها علم الفقه .
ولما ذكر أن الكل مملوك لله تعالى ، ذكر أنهم كلهم قانتون له ، أي مطيعون خاضعون له .
وهذه عادة المملوك ، أن يكون طائعاً لمالكه ، ممتثلاً لما يريده منه .
واستدل بنتيجة الطواعية على ثبوت الملكية .
ومن كان بهذه الصفة لم يجانس الوالد ، إذ الولد يكون من جنس الوالد .
وأتى بلفظ ما في قوله : { بل له ما في السموات والأرض } ، وإن كانت لما لا يعقل ، لأن ما لا يعقل إذا اختلط بمن يعقل جاز أن يعبر عن الجميع بما .
ولذلك قال سيبويه : وأما ما ، فإنها مبهمة تقع على كل شيء ، ويدل على اندراج من يعقل تحت مدلول ما جمع الخبر بالواو والنون ، التي هي حقيقة فيما يعقل ، واندرج فيه ما لا يعقل على حكم تغليب من يعقل .
فحين ذكر الملك ، أتى بلفظة ما ، وحين ذكر القنوت ، أتى بجمع ما يعقل ، فدل على أن ذلك شامل لمن يعقل وما لا يعقل .
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاء بما الذي لغير أولي العلم مع قوله قانتون ؟ قلت : هو كقوله : سبحان ما سخركن لنا ، وكأنه جاء بما دون من ، تحقيراً لهم وتصغيراً لشأنهم ، كقوله : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } انتهى كلامه ، وهو جنوح منه إلى أن ما وقعت على من يعلم ، ولذلك جعله كقوله : ما سخركنّ لنا .
يريد أن المعنى : سبحان من سخركن لنا ، لأنها يراد بها الله تعالى .
وما عندنا لا يقع إلا لما لا يعقل ، إلا إذا اختلط بمن يعقل ، فيقع عليهما ، كما ذكرناه ، أو كان واقعاً على صفات من يعقل ، فيعبر عنها بما .
وأما أن يقع لمن يعقل ، خاصة حالة إفراده أو غير إفراده ، فلا .
وقد أجاز ذلك بعض النحويين ، وهو مذهب لا يقوم عليه دليل ، إذ جميع ما احتج به لهذا المذهب محتمل ، وقد يؤول ، فيؤول قوله : سبحان ما سخركن ، على أن سبحان غير مضاف ، وأنه علم لمعنى التسبيح ، فهو كقوله :
وما : ظرفية مصدرية أي مدة تسخيركن لنا .
والفاعل يسخر مضمر يفسره المعنى وسياق الكلام ، إذ معلوم أن مسخرهن هو الله تعالى .
وقول الزمخشري : وكأنه جاء بما دون من ، تحقيراً لهم وتصغيراً لشأنهم ، ليست ما هنا مختصة بمن يعقل ، فتقول عبر عنهم بما التي لما لا يعقل تحقيراً لهم ، وإنما هي عامة لمن يعقل ولما لا يعقل .
ومعنى قانتون : قائمون بالشهادة ، قاله الحسن ، أو في القيامة للعرض ، قاله الربيع ، أو مطيعون ، قاله قتادة ؛ أو مقرّون بالعبودية ، قاله عكرمة .
وأورد على من يقول القنوت : القيام لله بالشهادة والعبودية ، أنه : كيف عم بهذا القول وكثير ليس بمطيع ؟ وأجيب : أن ظاهره العموم ، والمعنى الخصوص ، أي أهل كل طاعة له قانتون ، وبأن الكفار يسجد ضلالهم ، وبظهور أثر الصنعة فيه ، وجرى أحكام الله عليه ، وذلك دليل على تذلله لله تعالى ، ذكره ابن الأنباري .
{ وكلّ له } : مرفوع بالابتداء ، والمضاف إليه محذوف ، وهو عبارة عن من في السموات والأرض ، أي كل من في السموات والأرض ، وهو المحكوم عليهم بالملكية .
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون كل من جعلوه لله ولداً ، وهذا بعيد جداً ، لأن المجعول لله ولداً لم يجر ذكره ، ولأن الخبر يشترك فيه المجعول ولداً وغيره .
و { قانتون } : خبر عن كل ، وجمع حملاً على المعنى .
وكلّ ، إذا حذف ما تضاف إليه ، جاز فيها مراعاة المعنى فتجمع ، ومراعاة اللفظ فتفرد .
وإنما حسنت مراعاة الجمع هنا ، لأنها فاصلة رأس آية ، ولأن الأكثر في لسانهم أنه إذا قطعت عن الإضافة كان مراعاة المعنى أكثر وأحسن .
قال تعالى : { وكلّ كانوا ظالمين } { وكلّ أتوه داخرين } و { كلّ في فلك يسبحون } وقد جاء إفراد الخبر كقوله : { قل كلّ يعمل على شاكلته } وسيأتي إن شاء الله تعالى هناك ذكر محسن إفراد الخبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.